للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ «١» ولمّا وصل عليه الصلاة والسلام الكديد «٢» رأى أن الصوم شق على المسلمين، فأمرهم بالفطر، وأفطر هو أيضا، وقد قابل عليه الصلاة والسلام في الطريق عمه العباس ابن عبد المطلب مهاجرا بأهله وعياله، فأمره أن يعود معه إلى مكّة ويرسل عياله إلى المدينة.

ولمّا وصل عليه الصلاة والسلام مرّ الظهران أمر بإيقاد عشرة الاف نار، وكانت قريش قد بلغهم أن محمّدا زاحف بجيش عظيم لا تدري وجهته، فأرسلوا أبا سفيان بن حرب «٣» وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يلتمسون الخبر عن رسول الله، فأقبلوا يسيرون حتى أتوا مرّ الظهران، فإذا هم بنيران كأنها نيران عرفة، فقال أبو سفيان: ما هذه لكأنها نيران عرفة! فقال بديل بن ورقاء: نيران بني عمرو «٤» ، فقال أبو سفيان: عمرو أقل من ذلك، فراهم ناس من حرس رسول الله فأدركوهم، فأخذوهم فأتوا بهم رسول الله، فأسلم أبو سفيان، فلمّا سار قال للعباس: احبس أبا سفيان عند خطم الخيل «٥» ، حتى ينظر إلى المسلمين، فحبسه العباس، فجعلت القبائل تمر كتيبة كتيبة على أبي سفيان، وهو يسأل، ويقول مالي ولها، حتى إذا مرّت به قبيلة الأنصار وحامل رايتها سعد بن عبادة فقال سعد: يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة «٦» ، اليوم تستحلّ الكعبة، فقال أبو سفيان: يا عباس حبّذا يوم الذّمار «٧» ثم جاءت كتيبة وهي أقل الكتائب «٨» فيها رسول الله وأصحابه، وحامل الراية الزبير بن العوّام، فأخبر أبو سفيان رسول الله بمقالة سعد، فقال عليه الصلاة والسلام كذب سعد، ولكن هذا يوم يعظّم الله فيه الكعبة ويوم تكسى فيه


(١) سورة يوسف اية ٩٢.
(٢) هو ما بين الحرمين.
(٣) كان أبو سفيان رضيع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أرضعتهما حليمة، وكان الف الناس له قبل النبوة لا يفارقه، فلما نبئ كان أبعد الناس عنه. وأهجاهم له إلى أن أسلم، فكان أصح الناس إيمانا، وألزمهم له صلّى الله عليه وسلّم، ومات أبو سفيان في خلافة عمر رضي الله عنه، وقال عند موته: لا تبكنّ عليّ. فإني لم أنتطق بخطيئة منذ أسلمت.
(٤) يعني خزاعة.
(٥) هو المكان الناتىء منه في الطريق، ليتمكن من رؤية الجيش كله.
(٦) أي يوم حرب.
(٧) ما يلزم حفظه وحمايته. ومراده استعطاف العباس ليحميه من القتل.
(٨) لأن عدد المهاجرين كان أقل من عدد غيرهم من القبائل.

<<  <   >  >>