للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بن أم مكتوم الأعمى «١» - وهو ممن أسلموا قديما- والنبي مشتغل بالقوم، وقد لقي منهم مؤانسة حتى طمع في إسلامهم، فقال له عبد الله: يا رسول الله علّمني مما علّمك الله وأكثر عليه القول، فشق ذلك على الرسول، وكره قطعه لكلامه، وخاف عليه الصلاة والسلام أن يكون التفاته لذلك المسكين ينفر عنه قلب أولئك الأشراف فأعرض عنه فعاتبه الله على ذلك بقوله أول سورة عبس عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى وَهُوَ يَخْشى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى «٢» فما عبس رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعدها في وجه فقير، وكان إذا أقبل عليه عبد الله بن أم مكتوم يقول له: مرحبا بمن عاتبني فيه ربي.

ولمّا رأى المشركون أن هذه المطالب التي يعرضونها لا تقبل منهم أرادوا أن يدخلوا في باب اخر، وهو تعجيز الرسول بطلب الايات، فاجتمعوا وقالوا: يا محمد إن كنت صادقا فأرنا اية نطلبها منك وهي أن تشق لنا القمر فرقتين، فأعطاه الله هذه المعجزة، وانشقّ القمر فرقتين، فقال رسول الله: اشهدوا، وهذه القصة رواها عبد الله بن مسعود وهو من السابقين الأولين رويت عنه من طرق كثيرة، ورواها عبد الله بن عباس وغيره، ورواها عنهم جمع غزير حتى صار الحديث كالمتواتر «٣» وقد ذكرها القران الكريم في قوله تعالى أول سورة القمر اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ فحينما رأى المعاندون هذه الاية الكبرى قال بعضهم: لقد سحركم ابن أبي كبشة فأنزل الله فيهم وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ «٤»


(١) مؤذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، هاجر إلى المدينة واستخلفه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المدينة ثلاث عشر مرّة في غزواته على الصلاة فقط. وشهد فتح القادسية ومعه اللواء. قيل: إنه قتل بالقادسية شهيدا.
(٢) اية ١- ١٠.
(٣) وعن حذيفة أنه خطب بالمدائن ثم قال: ألا إن الساعة قد اقتربت وإن القمر قد انشق على عهد نبيكم. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن الكفار سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اية فانشقّ القمر مرتين، قال ابن عباس: انفلق القمر فلقتين فلقة ذهبت وفلقة بقيت، وقال ابن مسعود رأيت حراء بين فلقتي القمر. قال القسطلاني شارح البخاري: وهذه المعجزة من أمهات المعجزات الفائقة على سائر معجزات الأنبياء لأن معجزاتهم عليهم السلام لم تتجاوز الأرضيات. وقد ذكرت الجرائد الأجنبية مقالة عربتها جريدة الإنسان العربية التي كانت تطبع بالأستانة العلية حاصلها: أنه عثر في ممالك الصين على بناء قديم مكتوب عليه أنه بني عام كذا الذي وقع فيه حادث سماوي عظيم وهو انشقاق القمر نصفين فحرّر الحساب فوافق سنة انشقاقه لسيدنا ومولانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(٤) سورة القمر الاية ١- ٢.

<<  <   >  >>