للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم سألوا الرسول بعد ذلك ايات لا يقصدون بذلك إلّا التعنّت والعناد، فمنها أن قالوا كما في سورة الاسراء لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ ولم يجبهم الله إلّا بقوله قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا «١» لأن الله علم ما تكنّه جوانحهم من التعصب والعناد، فلا يؤمنون مهما جاءهم من البينات كما قال جل ذكره في سورة الأنعام وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ «٢» وكيف يرجى الخير ممّن قالوا كما في سورة الانفال اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ «٣» ولم يقولوا: إن كان هذا هو الحق من عندك فأهدنا إليه، وهذه سنة من سنن الأنبياء إذا رأوا من طلاب الايات عنادا، وإنهم يطلبونها تعجيزا لا يسألون الله إنفاذ هذه الايات كيلا يحلّ بقومهم الهلاك كما حصل لعاد وثمود وغيرهم، وهذا هو المراد من قوله تعالى في سورة الإسراء وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ «٤» وقد حصل للمسيح عليه السلام أنه لما وقف أمام هيردوس طلب منه اية فلم يجبه إلى طلبه، فلما رأى ذلك سخر منه وردّه بيلاطس بعد أن كان يأسف عليه ويتمنى لقاءه، وذلك مذكور في الإصحاح الثالث والعشرون من إنجيل لوقا.

(هذا) ولمّا رأى المشركون ضعفهم عن مقاومة المسلمين بالبرهان تحوّلوا إلى سياسة القوة التي اختارها قوم إبراهيم عندما عجزوا عنه حيث قالوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ كما في سورة الأنبياء «٥» أما هؤلاء فازدادوا بالأذى على كل من أسلم رجاء صدّهم عن اتباع الرسول عليه السلام، ولم يتركوا بابا إلّا ولجوه، فقال عليه الصلاة السلام لأصحابه: تفرّقوا في الأرض، فإن الله سيجمعكم، فسألوه عن الوجه فأشار إلى الحبشة.


(١) اية ٩٠- ٩٣.
(٢) اية ١٠٩.
(٣) اية ٣٢.
(٤) اية ٥٩.
(٥) اية ٦٨.

<<  <   >  >>