للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عينك وارفق بها، وروح عنها ونحو هذا.

وهذه أيضاً معارضة في غاية الفساد، لأن البحتري لم يذهب إلى استعمال العين وكذها في النظر إلى الشيء الواحد، لأن ذلك إخراج لها عن عادتها الطبيعية، كالكلام الذي إذا أخرجته عن العادة الطبيعية إلى أن ترفع به الصوت من غناء أو حداء، أو خطبة طويلة أتعبت جميع الآلات من الحلق ومجاري النفس والفكين، وإلا فالكلام الذي تستعمله في عاداتك غير متعب، لأنك لست تحمل على الطبيعة، إنما تتركها فيه وعادتها، وذلك غير متعب لها، وكذلك اليد والرجل وسائر الأعضاء، وجناح الطائر مثله، وإذا أتعبت اليد بأن تحمل الشيء الثقيل، وأتعبت الرجل بالمشي الطويل، فقد حكلت على الحركة الطبيعية وأخرجتها عن عادتها، وللطائر أيضاً في طيرانه حدود محمودة في استعمال جناحيه، ومواقيت موقتة، فإن لم يسقط للاستراحة، أسقطه التعب والكد، فهذا كله أنت تراه مشاهدة، فإنما ذهب البحتري إلى أن عين الناظر لا يتعبها النظر الطبيعي، الذي جعل الباري تبارك وتعالى له مبلغاً وقدراً فيها ليستدرك الناظر به معرفة ما يشاهد من الأشياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>