أو أراد أنها تأتي كما يأتي السيل من ارتفاع إلى هبوط، فيكون أغزر لها وأسرع، وكأن المعنى الأول أقوى، لأنه قد كرره وأكده بقوله:
«مواهبه غور وسؤدده نجد»
وبقوله:
ومنصبه وعر مطالعه جرد
أي: جداه دان قريب ممن يريده، ومنصبه بعيد المرام ممن يريد التعلق به أو المساواة له، فمطالعه جرد: جمع أجرد، أي ملس لا يتعلق بها شيء، كما يقال:«تقدم إليه المتناول» والمعنيان لا يتشاكلان كل التشاكل؛ لأن العطايا ليست من المنصب في شيء، وإنما كان ينبغي أن يقول: وداني الجدا تأتي عطاياه من يد هي مع الثريا، أو من راحة هي فوق النجم، حتى تكون عطاياه دانية مع علو يده، لأن العطايا منها تأتي، وعنها تصدر، فيشبه شيء شيئاً، وتصح المقابلة، أو أن يجعل الممدوح دانياً ممن يريده، دمثاً متواضعاً سهلاً، ويجعل منصبه رفيعاً وعراً صعباً، حتى يكون المعنى أنه رفيع القدر على تواضعه، كما قال البحتري:
دنوت تواضعاً وعلوت قدراً ... فشأناك انخفاض وارتفاع
كذاك الشمس تبعد أن تسامي ... ويدنو الضوء منها والشعاع