وإنما نظر كل واحد منهما إلى الجيوب تشقق والستور تهتك، والأعلام تمزق، والرماح تكسر، فإن مثل هذا يفعل عند هلاك السادة من الأمراء وغيرهم، والخيل أنما تعقر عند قبورهم وأشباه هذا، فلما عاين هذان الشاعران من الأمر ما عيناه هذا:«كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر»، وقال ذاك:«انظر إلى العلياء كيف تضام»، ونظر البحتري إلى كثرة النساء، وعظم أقدارهن، وانهتاكهن، وما يفعلن بأنفسهن، فأتم البيت بأن قال:«ومآتم الأحساب كيف تقام»، لأن المآتم هي اجتماع النساء في الفجائع، ومساعدة بعضهن، فما على أحدهما فيما قاله مطعن.
وقال أبو تمام:
أصم بك الناعي وإن كان أسمعا ... وأصبح مغنى الجود بعدك بلقعا
وهذا معنى حسن جداً، وليس يريد بالصمم انسداد السمع، وإنما يريد أن الناعي أذهل عن كل شيء وحير، حتى صار الإنسان يخبر بالشيء فلا يفهم ما يقال لعظم ما ورد، فجعل ذلك صمماً، وإنما أخذ هذا من قول محياة بنت طليق أحدى بني تيم الله بن ثعلبة:
نعى ابني محل صوت ناع أصمني ... فلا آب محبوراً بريد نعاهما