قصائده وهي أربع عشرة قصيدة، لأن الجيد فيها إنما هو لمع قليلة بين الرديء الساقط، ورداءته إما في معناه أو لفظه أو نسجه أو تأليفه، وقد تقدم ذكر جميعها في باب الابتداءات، فكان كثرة رديئه يشين قليل جيده ويزري به، وكان يظهر فضل البحتري في قصائده، وهي ثلاث عشرة قصيدة، لأن كلها جيدة، لا يكاد يختل من القصيدة شيء البتة إن شاء الله، إلا أن تكون القصيدة التي أولها:
«لأية حال أعلن الزجد كاتمه»
فإن فيها بيتاً أو بيتين، فكنا لو فعلنا ذلك نحكم بفضل جملة قصائد البحتري على جملة قصائد أبي تمام.
ولو اطرحنا رديء أبي تمام كله من جميع قصائده وتلطنت جيده منها وأضفنا إلى القصائد الأربع اللواتي قدمت ذكرها، ووزاناً بالجميع قصائد البحتري حتى نكون قد وازناً جيداً بجيد، كما يختار أصحاب أبي تمام، لأنهم أبداً يقولون: فدعوا رديئه وخذوا جيده، كان في ذلك ظلم للبحتري قبيح، وتعد ظاهر معلوم، لأن المتخير المتنقى الذي قد نفي رديئه، وبقيت عيونه وفاخره لا يقاس جملة على جهته إن كان نقياً من الدرن، لأن النقاوة لها أبداً فضلها، ولكن الموازنة تكون بين جملة وجملة، واختيار واختيار، والمنصفون من أصحاب أبي تمام يمثلون القصيدة من شعر البحتري بعقد فيه خرز وأنواع جوهر سوى الدر، ويقولون: أي العقدين أثمن؟، فقيل لهم: بل قولوا: أي العقدين أحسن، وأيهما أولى بأن يكون على صدر الجارية الكعاب، هذا إن سلم لكم انفراد أبي تمام من شريف المعاني بما ليس للبحتري مثله، ولكن ليس بمنكر أن يكون