لأبي تمام لطيفة ليس للبحتري مثلها من ذلك الجنس، كما أن للبحتري أيضاً معاني لطيفة ليس لأبي تمام مثلها من جنسها، وقد مر مثل هذا كثيراً فيما تقدم من أبواب هذه الموازنة، ومثل ذلك أيضاً موجود في أشعار القدماء، أن ترى الشاعر قد سخر له معنى أو معان لا يوجد مثلها من جنسها في شعر من هو أعلى طبقة منه، فلا يقدم عليه من أجلها، لأن التقدمة لا تكون بالمعاني وحدها، وإنما ينظر إلى بحر الشاعر وجنس شعره وبلاغته وقدرته وتمكن خاطره واستواء طريقته، فإن أحببت أن تمتحن ذلك فأثبت مراثي الطائيين كلها في الباب وتأمل الجميع، فإن الأمر يظهر لك ظهوراً بيناً واضحاً، ولا تكن مراعاتك مقصورة على تأمل المعاني دون سواها، فإن رداءة الكلام منظومه ومنثوره ليست من أجل رداءة المعنى فقط، بل يكون أيضاً من أجل رديء اللفظ، وقبيح النظم وسوء التأليف، وإن يقترن البيت بما لا يليق بموضعه، ألم تسمع بعض الشعراء وقد قال لابنه وكان أيضاً شاكراً: أنا أشعر منك؟، قال: بم ذاك؟، فقال أنا أقول البيت وأخاه وأنت تقول البيت وابن عمه.
واعلم أن رديء اللفظ يكون على وجهين: إما أن تكون اللفظة من ألفاظ العوام سخيفة في نفسها، أو جيدة قد وضعت في غير موضعها فصارت رديئة في ذلك الموضع خاصة، فإن كانت لك بلاغة وبجوهر الكلام خبرة تعرف هذا إذا مر بك من النظم والنثر لا محالة، وإن كنت بمعزل عن ذلك فلست تقدر أبداً على