للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تسخروا منا فإنا نسخر منكم " والفعل الثاني ليس بسخريةٍ، ومثل هذا في الشعر والكلام كثير مستعمل.

فلما كان مجرى العادة أن يقول القائل: أغلظت لفلان القول، وجرعته منه كأساً مرة، وسقيته منه أمر من العلقم، وكان الملام مما يستعمل فيه التجرع على الاستعارة - جعل له ماء على الاستعارة، ومثل هذا كثير موجود.

وقد احتج محتج لأبي تمام في هذا بقول ذى الرمة:

أداراً بحزوى هجت للعين عبرةً ... فماء الهوى يرفض أو يترقرق

وقول الآخر:

وكأسٍ سباها التجر من أرض بابلٍ ... كرقة ماء البين في الأعين النجل

وهذا لا يشبه ماء الملام؛ لأن ماء الملام استعارة، وماء الهوى ليس باستعارة؛ لأن الهوى يبكى؛ فتلك الدموع هي ماء الهوى في الحقيقة، وكذلك البين يبكي؛ فتلك الدموع هي ماء البين على الحقيقة.

فإن قيل: فإن أبا تمام أبكاه الملام، والملام قد يبكي على الحقيقة؛ فتلك الدموع هي ماء الملام على الحقيقة.

قيل: لو أراد أبو تمام ذلك لما قال " قد استعذبت ماء بكائي " لأنه لو بكى من الملام لكان ماء الملام هو ماء بكاء أيضاً، ولم يكن يستعفى منه

<<  <  ج: ص:  >  >>