للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٥ - ومن ردئ استعارته وقبيحها قوله:

مقصرٌ خطوات البث في بدني ... علماً بأني ما قصرت في الطلب

فجعل للبث - وهو أشد الحزن - خطواتٍ في بدنه، وأنه قد قصرها؛ لأنه ما قصر في الطلب، وهذا من وساوسه المحكمة، وإنما أراد به قد سهل أمر الحزن عليه أنه ما قصر في الطلب؛ لأنه لو قصر كان يأسف ويشتد حزنه، فجعل للحزن خطى في بدنه قصيرةً لما جعله سهلا خفيفاً، وهذا ضد المعنى الذي أراد؛ لأن الخطى إذا طالت أخذت من الشيء الذي تمر عليه أقل مما تأخذه الخطى القصيرة؛ فعلى هذا يجوز أن يقع قلبه أو كبده بين تلك الخطى الطويلة فلا يمسها من البث - وهو الحزن - قليلٌ ولا كثير.

فإن قيل: إنما أراد أن الحزن هو في قلبه خاصة، وأن قوله " في بدني " أي في قلبي؛ لأن قلبه في بدنه.

قيل: الأمر واحد في أن الخطى إذا طالت على الشيء - قلبه كان أو ما سواه - أخذت منه أقل مما تأخذ إذا قصرت.

فإن قيل: أراد بطول الخطى الكثرة وبقصرها القلة.

قيل: هذا غلط من التأويل، وليس العمل على إرادته، وإنما العمل على توجيه معاني ألفاظه.

<<  <  ج: ص:  >  >>