فجعل اليوم أفاض جوى، والجوى أغاض تعزيا، والتعزى موصولا به " خاض الهوى " إلى آخر البيت؛ وهذا غاية ما يكون من التعقيد والاستكراه، مع أن " أفاض " و " أغاض " و " خاض " ألفاظ أوقعا في غير موضعها، وأفعال غير لائقة بفاعلها، وإن كانت مستعارة؛ لأن المستعمل في هذا أن يقال: قد علم ما بفلان من جوى، وظهر ما يكتمه من هوى، وبان عنه العزاء، وذهب عنه العظاء والتعزي، فأما أن يقال: فاض الجوى، أو أفيض، أو غاض، أو غيض: فإنه - وإن احتمل ذلك على سبيل الاستعارة - قبيحٌ جداً، وكذلك خوض الهوى بحر التعزي معنىً في غاية البعد والهجانة، ثم اضطر إلى أن قال " بحري حجاه المزيد " فوحد المزبد، وخفضه، وكان وجهه أن يقول " المزبدين " صفة للبحرين؛ فجعله صفة للحجى، ويقال: إنه أراد ببحري حجاه المزيد قلبه ودماغه؛ لأنهما موطنان للعقل، وذلك محتمل؛ إلا أنه جعل المزبد وصفا للحجى، ولا يوصف العقل بالإزباد، وإنما يوصف به البحر، وهذا وإن كان يتجاوز في مثله فإنه