إلى الوجه الأردأ عدل به، وجنب الطريق عن الوجه الوضح.
فإذا تأملت شعره وجدت أكثره مبنياً على مثل هذا وأشباهه، وقد ذكرت من هذه الأمثلة من شعره ما دل على سواها.
فإن قال قائل: إن هذا الذي أنكرته وذممته في البيات المتقدمة وفي هذا البيت - من شدة تشبث الكلام بعضه ببعض، وتعلق كل لفظةٍ بما يليها، وإدخال كلمة من أجل أخرى تبهها وتجانسها - هو المحمود من الكلام، وليس من المعاظلة في شيء، ألا ترى أن البلغاء والفصحاء لما وصفوا ما يستجاد ويستحب من النثر والنظم قالوا: هذا كلام يدل بعضه على بعض، وآخذ بعضه برقاب بعض.
قيل: هذا صحيح من قولهم، ولم يريدوا هذا الجنس من النثر والنظم، ولا قصدوا هذا النوع من التأليف، وإنما أرادوا المعاني إذا وقعت ألفاظها في مواقعها، وجاءت الكلمة مع أختها المشاكلة لها التي تقتضي أن تجاورها بمعناها: إما على الاتفاق، أو التضاد، حسما توجبه قسمة الكلام، وأكثر الشعر الجيد هذه سبيله، ونحو ذلك قول زهير بن أبي سلمى:
سئمت تكاليف الحياة، ومن يعشثمانين حولاً لا أبا لك يسأم