للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكيف لم يفعل مثل ذلك بالشعر لما راقه حسن وزنه وقوافيه، ودقيق معانيه، وما يشتمل عليه من مواعظ وآداب وحكم وأمثال؛ بم يتوقف عن الحكم له على ما سواه حتى يرجع إلى من هو أعلم منه بألفاظه، واستواء نظمه، وصحة سبكه، ووضع الكلام منه في مواضعه، وكثرة مائه ورونقه؛ إذ كان الشعر لا يحكم له بالجودة إلا بأن تجتمع هذه الخلال فيه. ألا ترى أنه قد يكون فرسان سليمين من كل عيب، موجودٌ فيهما سائر علامات العتق والجودة والنجابة، ويكون أحدهما أفضل من الآخر بفرق لا يعلمه إلا أهل الخبرة والدربة الطويلة، وكذلك الجاريتان البارعتان في الجمال، المتقاربتان في الوصف، السليمتان من كل عيب، قد يفرق بينهما العالم بأمر الرقيق، حتى يجعل بينهما في الثمن فضلا كبيرا، فإذا قيل له وللنخاس: من أين فضلت أنت هذه الجارية على أختها؟ ومن أين فضلت أنت هذا الفرس على صاحبه؟ لم يقدر على عبارة توضح الفرق بينهما، وإنما يعرفه كل واحد منهما بطبعه، وكثرة دربته، وطول ملابسته. فكذلك الشعر: قد يتقارب البيتان الجيدان النادران، فيعلم أهل العلم بصناعة الشعر أيهما أجود إن كان معناهما واحداً، أو أيهما أجود في معناه إن كان معناهما مختلفاً.

وقد ذكر هذا المعنى بعينه محمد بن سلام الجمحي وأبو علي دعبل بن علي الخزاعي في كتابيهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>