للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثله في أشعارهم كثير (١) موجود.

وإلى هذا المعنى ذهب أبو تمام في قوله: «أتضعضعت عبرات عينك» كأنه يوبخ نفسه على البكاء من أجل بكاء حمامة، ولما قال: «فإنهن حمام»، كانت هذه مناقضة ظاهرة.

وهذه (٢) -لعمري- معارضة، غير أن أبا تمام قد يجوز أن لا يكون اعتمد تهوين أمر الحمامة كما اعتمد هؤلاء الشعراء، وأن يكون توبيخه (٣) لنفسه على هذا الوجه، بل إنما أراد: لا تبك لبكاء الحمام، فإنك لم تسمعه دائماً يغرد، فإن كنت كلما سمعته بكيت وحزنت طال بكاؤك وحزنك وذلك كما قال الآخر (٤):

أأن زم أجمال وفارق جيرة ... وصاح غراب البين أأنت حزين؟

وقد عيب هذا الشاعر في هذا (٥) المعنى، وقيل: إذا كان هذا لا يحزن فأي شيء يحزن؟

ولا شك في أن ظاهر هذا القول قبيح؛ لمخالفته ما في عادات الناس، إلا أني أظن هذا الشاعر ما ذهب في هذا القول إلى تهوين هذه الأشياء وتحقيرها، وإنما أراد أن مثل هذا يقع دائماً، فإن (٦) كان كلما شاهدته ورأيته حزنت، طال حزنك.

<<  <  ج: ص:  >  >>