للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأحب أبو تمام أن يخرج عن عادات بني آدم، ويكون أمة وحده.

وقوله: «نال رأسي من ثغرة الهم. . .» بيت رديء، بعيد المعنى.

ولكنه يقرب ويتخلص إذا وقع التأني للعبارة عنه، فأقول: إن الثغرة هي: الفرجة والثلمة تكون في الشيء؛ ولذلك سمي كل بلد جاور عدواً ثغرا، كأن معناه أنه مكشوف للعدو فلذلك قيل: قد سد الثغر بالرجال، وأصله -والله أعلم- من ثغر الإنسان؛ لأنه أول ما يقابلك من أسنانه، وأول ما يظهر عند الكلام، وأول ما يسقط فيرى موضعه مثلوماً، فشبه الثغر الذي هو البلد به، وقالوا: قد أثغر الصبي واثغر، وسميت تلك الثغرة فرجة في موضع السن وفي كل موضع منفرج، ومنه ثغرة النحر.

فأراد بقوله: «نال رأسي من ثغرة الهم»، أي وجد الشيب من الهم فرجة دخل على رأسي منها، جاء به على مذهبه في الاستعارة، والهم يشيب لا محالة.

وقوله: «لما لم ينله من ثغرة الميلاد»، يذهب في ثغرة الميلاد إلى الوقت الذي يهجم عليه (١) فيه الشيب من عمره؛ لأنه يجد السبيل في ذلك الوقت إلى الحلول برأسه، فجعله ثغرة حينئذ، فيقول: إن المشيب حل برأسه من جهة همومه وأحزانه لما لم يبلغ السن الذي يوجب حلوله به من جهة كبره (٢).

وكان وجه الكلام أن يقول: من ثغرة الكبر، أو من ثغرة السن، لا من ثغرة الميلا (٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>