وكان يجب أيضاً أن يقول: حل برأسي، أو نزل (١)؛ فإن هذه اللفظة هي المستعملة في مثل هذا دون قوله:«نال»، كأنه يجعل الشيب لم يزل يترصده، ويتطلب فرصة منه ينتهزها في الدخول عليه وذلك لبعده كان عن الأفراح والمسار (٢)، وكثرة أحزانه وهمومه، وليس لثغرة الصبي وهو إثغاره إذا سقط سنه ها هنا وجه؛ لأن الإنسان قد يشيب وهو حديث السن فأما في ذلك الوقت فلا.
نظر الزمان إليه قطع دونه ... نظر الشفيق تحسراً وتلهفا
ما اسود حتى ابيض كالكرم الذي ... لم يأن حتى جيء كيما يقطفا
لما تفونت الخطوب سوادها ... ببياضها عبثت به فتفوفا
ما كان يخطر قبل ذا في فكرة ... في البدر قبل تمامه أن يكسفا
قوله: نظر الزمان إليه، أي نظره بالشيب قطع دونه نظر الشفيق عن أن ينظر إليه فيتحسر عليه ويتلهف، وإنما أراد «قطع دونه» خفيفة فثقلها ليستوي له الوزن، وقد يجوز أن يكون أراد التثقيل، أي أن الشفيق الذي كان يديم النظر إليه ويواصله إعجاباً به صار لا يملأ طرفه لما شاب