ويكره الأخذ بمن بيده حلال وحرام كسلطان جائر، وتشتد الكراهة وتخف بكثرة الشبهة وقلتها، ولا يحرم إلا ما تيقن حرمته ويمكن معرفة صاحبه.
وإنما لم يحرم؛ لأن الأصل المعتمد في الأملاك اليد، ولم يثبت أصل آخر فيه يعارضه، فاستصحب ولم يبال بغلبة الظن.
(ولا يحل التصدق بما يحتاج إليه لنفقته) إن لم يصبر على الإضاقة (أو نفقة من عليه نفقته)؛ لخبر:"كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت"، ولأن كفايتهم فرض، وهو لا يترك لسنة، وكالنفقة بقية المؤن.
وخرج بـ (الصدقة): الضيافة، فتجوز ولو بقوته وقوت عياله؛ لتأكدها، حتى ذهب جمع إلى وجوبها.
لكن حمل في "الإيعاب" وغيره الجواز على ما إذا لم يتضرر الممون، أو علم رضاه وكان الضيف محتاجاً.
ولا يرد أن كثيراً من السلف تصدقوا بما يحتاجونه لعيالهم؛ لأنه يحتمل رضاهم وصبرهم.
وإنما تحرم بما يحتاج إليه هو، أو ممونه (في) مؤن (يومه وليلته) وكسوة الفصل، لا بما زاد على ذلك، كما يأتي.
(أو) بما يحتاج إليه (لدين لا يرجو له وفاء) من جهة ظاهرة ولو عند حلول المؤجل.
نعم؛ الواجب لا يجوز تركه لسنة.
ومع حرمة التصدق بما ذكر، يملكه المتصدق عليه؛ لأن الحرمة لأمر خارج عن الصدقة كما في "التحفة" و"النهاية"، بل ألَّف (حج) في ذلك مؤلفاً بسيطاً سماه: "قرة العين ببيان أن التبرع لا يبطله الدين".
وجرى جمع أنه لا يملكه، منهم:(حج) في "الشرح"، و"الفتح"، وعبارتهما: (وحيث حرم التصدق بشيء لا يملكه المتصدق عليه، زاد في "الفتح": كما بينته في "الأصل" مع فروع أخر) اهـ
واعتمده جمُّ غفير منهم: ابن زياد، وبالغ في الرد على (حج)، وألف في ذلك أربعة مؤلفات.