للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا}.

قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحْدَهُ فِي رواية قنبل «ضئاء» بِهَمْزَتَيْنِ، فَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ: هُوَ غَلَطٌ‍.

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ «ضِيَآءً» بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْأَلِفِ وَهُوَ الصَّوَابُ.

قال أبو عبد اللَّهِ: ضِيَاءٌ جَمْعُ ضَوْءٍ مِثْلُ بَحْرٍ وَبِحَارٍ فَالضَّادُ فَاءُ الْفِعْلِ وَالْوَاوُ عَيْنُ الْفِعْلِ، وَالْهَمْزَةُ لَامُ الْفِعْلِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ وَجَبَ أَنْ تَقُولَ: ضِوَاءٌ، فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا كَمَا تَقُولُ: مِيزَانٌ وَمِيقَاتٌ، وَالْأَصْلُ: مِوْزَانٍ وَمِوْقَاتٍ، وَكَمَا قَالُوا:

سِيَاطٌ‍ وَحِيَاضٌ، وَالْأَصْلُ: سِوَاطٍ‍ وَحِوَاضٍ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الضِّيَاءُ مَصْدَرًا مِثْلَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَقَدْ حُكِيَ ضِوَاءٌ قَالُوا: عَلَى الْأَصْلِ لُغَةً، وَمِنْهُ صَامَ صِيَامًا وَقَامَ قِيَامًا وَالْأَصْلُ: صِوَامٌ وَقِوَامٌ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً فَاعْرَفْ ذَلِكَ.

وَكَأَنَّ ابْنَ كَثِيرٍ شَبَّهَ «ضِئَآءً» حَيْثُ قَرَأَ بهمزتين بقول «رِئَآءَ النَّاسِ» فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «ضِئَآءً» مَصْدَرًا لِقَوْلِهِمْ: ضَاءَ الْقَمَرُ يَضُوءُ ضَوْءًا وَضِئَاءً كَمَا تَقُولُ: قَامَ يَقُومُ قِيَامًا، وَالِاخْتِيَارُ أَضَاءَ الْقَمَرُ يضيء إِضَاءَةً، وَزَادَ اللَّحْيَانِيُّ ضِوَاءَ الْقَمَرِ لُغَةً ثَالِثَةً، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى، قَالَ: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ}.

فإن سأل سائل فقال: لم قال الله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ} وَلَمْ يَقُلْ: قَدَّرَهُمَا؟

فَفِي ذَلِكَ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْهَاءَ تَعُودُ عَلَى الْقَمَرِ فَقَطْ‍، إِذَا كَانَ يُعْلَمُ بِهِ انْقِضَاءُ السَّنَةِ وَالشُّهُورِ وَالْحِسَابِ.

وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَرَادَ قَدَّرَهُمَا فَاجْتَزَى بِأَحَدِهِمَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ}. أَنْشَدَنِي ابْنُ مُجَاهِدٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ:

رَمَانِي بِأَمْرٍ كُنْتُ مِنْهُ وَوَالِدِي ... بَرِيئًا مِنْ أَجْلِ الطَّوِيِّ رَمَانِي

وَلَمْ يَقُلْ: بَرِيئَيْنِ، وَيُرْوَى وَمِنْ جُولٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالْجُولُ وَالْجَالُ: جَانِبُ الْبِئْرِ، وَمَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ أَنَّ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي شَتَمَنِي وَقَذَفَنِي يَرْجِعُ مَغَبَّةُ فِعْلِهِ عَلَيْهِ.

- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ}.

قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَابْنِ عَامِرٍ بِرِوَايَةِ هِشَامٍ «وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ» بِالْفَتْحِ، مَعْنَاهُ: وَلَا أَعْلَمَكُمْ بِهِ، مِنْ درى يدري.

وقرأ الباقون بالإمالة «أدريكم» مِنْ أَجْلِ الرَّاءِ وَالْيَاءِ، فَمَنْ فَخَّمَ فَعَلَى أصل الكلمة،

<<  <   >  >>