للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[ومن سورة البلد]

قَالَ أَبُو عبدِ اللَّه: سُمِّيت هَذِهِ السُّورة أعني: {لا أُقْسِمُ بهذا البَلَدِ} والبَلَدُ هنا:

مكَّة {وأَنَتَ حِلٌّ} خاطب محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا البلد وذلك أنّ مكة ما أحلت لأحدٍ قبل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولم يَفتحها أحدٌ قبله فحللّها لَهُ ساعةً من النَّهار يومَ فتح مكة {ووالدٍ وما وَلَدَ} الوالد: آدم عَلَيْهِ السَّلام، وما ولد ذُريته.

حَدَّثَنِي أَبُو طالبٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ، قَالَ: سرتُ إلى مجلس أَبِي جَعْفَر الطَّبري وكان يومًا مَطِيْرًا فرآني قَدْ اغتممت، فَقَالَ: والله لأعوضنَّك {لا أُقسم بهذا البلد} يعني مكَّة {وأنتَ حلُّ بهذا البَلَدِ} يعني مُحَمَّدًا {ووالدٍ} يعني عليًّا وفاطمة {وَمَا وَلَدَ} يعني: الحَسَنَ والحُسَين. قَالَ: فقمت فقبَّلتُ رجله وانصَرَفتُ.

وقولُه تَعَالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ}.

قَرَأَ ابْنُ كَثِيْرٍ وأبو عَمْرو والكِسَائِيُّ: «فَكَّ» بالفتح جعلوه فعلًا ماضيًا «رقبةً» مفعول.

وتقول العرب: فككت الأسيرَ والرهنَ أفكُّ فكًا، فالمصدر عَلَى لفظِ‍ الماضي، ونَسَقَ {إطْعَامٌ} عَلَى «فك» و {في يوم ذِي مَسْغَبَةٍ} المسغبةُ: المجاعةُ، قَالَ الشَّاعِرُ:

لاهَ ابن عمك لا فضلت فِيْ حَسَبٍ ... عَنّى ولا أَنْتَ دَيَّانِي فَتَخْزُونِي

ولا تَقُوْتُ عِيَالِي يَومَ مَسْغَبَةٍ ... وَلَاْ بِنَفْسَكَ في الضراء تُواسِيِنْي

وحدَّثني أَبُو عُمَر، عنْ ثعلب، عنْ أَبِي نصرٍ، عنْ الَأصمعي، قَالَ: الفَكُّ أن تفك الرّقبة والخِلخال واليَد فكًّا، وَيُقَالُ: أصابه فَكَكٌ. قَالَ رؤبةُ:

هَاجَاكَ مِنْ أَرْوَى كَمِنْهَاض الفَكَكْ

وتُسمى النُّجومُ المستديرةُ الفَكَّةَ. وَيُقَال: فِيْ فلانٍ فَكَّةٌ: إِذَا كَانَ فِيْ رأيه استرخاءٌ. ويُقالُ: فلانٌ يَسعى فِيْ فكاكِ رقبته، وهلمّ فكاك رَهنك. ويقالُ انكسر أحدُ فكَّيه أي: لَحْيَيْهِ. وينشد:

كأنَّ بينَ فَكِّها والفَكِّ ... فَارَةُ مِسْكٍ ذُبِحَتْ فِيْ سَكِّ

وأجمع القُراء عَلَى ذي بالياء نعتٌ ل‍ «يومٍ» إلَّا الْحَسَن البصري فإنه قرأ، «في يومٍ ذَا مسغبةٍ» جعل «ذا» نعتًا لمحذوف، والتَّقدير: أَوْ إطعام فِيْ يومٍ فَقَيرًا ذا مسغبة.

<<  <   >  >>