للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[ومن سورة المنفكين]

قَالَ أَبُو عبدِ اللَّه: قولُه تَعَالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}، يعني اليهود والنَّصارى {والمشركين} يعني مشركي العَربِ {مُنْفَكِّيْنَ} أي: منتهين عنْ الكفر، والشِّرك. وذلك أَنَّهُ قَالَ: أهل الكتاب مَتَى يبعث الذي نجده في كتابا، وتقول العرب: «لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْرًا مِّنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ».

وقولُه تَعَالى: {حَتَّى تَأْتِيَهُمْ البَيِّنَةُ} مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} فِيْ أمر مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} لأنَّه عَلَيْهِ السَّلام كان معهم فِيْ كتبهم. فلما بعثه اللَّه من غير ولد إِسْحَاق حَسَدُوه، واختلفوا {فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ}.

وقولُه تَعَالى: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}.

إِجماعُ القُرَّاءِ عَلَى كسرِ اللَّام أي: أخلص اللَّه الدَّينَ فهم مخلصون، وإنما فتح اللَّامَ فِيْ مُخْلِصِينَ الحسنُ البَصري فِيْ روايةِ الَأشهر عَنْهُ، فيكون معناه: أخلصهم اللَّه فهم مخلَصون بالدِّين، وجعلهم اللَّه مخلصين بالدين. والقراءة هِيَ الأولى.

ومن الشَّواذِّ أيضا في هذه السورة «أولئك هم خيار البَرِيَّةِ» كذلك قرأها أَبُو الأسود الدُّؤَلِيُّ بالجَمع.

ومنها قولُه تَعَالى: {خَيْرُ البَرِيَّةِ}، {شرُّ البَرِيَّةِ}.

قَرَأَ نافعٌ وابنُ عامرٍ: «البَرِيئَةِ» بالهَمْزِ من برأ الله الخلق يبرؤهم، والله البارئ المتعال، والخلق مبرءون.

وقرأ الباقون: «البَرِيَّةِ» بتشديد الياءِ، فيجوز أن يكونوا أرادوا الهَمز فتركوا.

ويجوز أن يأخذه من البري وهو التُّراب، كما قَالَ:

بِفِيكَ مِنْ سَارٍ إلى القَومِ البَرَى

تقولُ العَرَبُ: «بفيه الحَجَرُ» و «بفيه التُّراب» و «بفيه التَّورب»، و «التَّيرب»، و «البَري»، و «الكَثكَثُ» و «الكَلْحَمْ»، و «الأثلب»، أي:

التُّراب.

والاختيار لمن قَرَأَ هَذِهِ السُّورة أن يقف عند رأسِ كلِّ آيةٍ نحو «البَيِّنَة»،

<<  <   >  >>