للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[ومن سورة عبس]

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه: نزلت هَذِهِ السُّورة فِيْ عبدِ اللَّه بْن أَبِي السَّرح الَأعمى، وأمُّه أمُّ مَكْتُوْمٍ، وذلك أَنَّهُ كَانَ ذاتَ يومٍ جالسًا فِيْ المَسجد الحَرام وحده إذ نزل ملكان ليُصليا فِيْ بيتِ اللَّه، فقالا من هَذَا الَأعمى الَّذِي لا يُبصر فِيْ الدُّنيا، ولا فِيْ الآخرة، وذلك قبل أن يُسلم. فَقَالَ أحدهما: لا ولكن أعجب من أَبِي طالبٍ يدعو النَّاس إلى الْإِسْلَام وهو لا يَنصره فسمع ذَلِكَ ابْنُ أمِّ مكتومٍ، فخرج حَتَّى أتى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإذا معه أُمية بْن خَلَفٍ والعبَّاس بْن عَبْد المطلب وهما قائِمان بين يديه. فَقَالَ ابْنُ أمِّ مَكْتُوْمٍ قَدْ جئْتُكَ يا مُحَمَّد تائبًا فهل من تَوْبَةٍ، فأعرض عَنْهُ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوجهه وعَبَسَ أي: كَلَحَ، فاستحيا الَأعمى فظنَّ أَنَّهُ لا توبة لَهُ ورجع إلى منزله، فأنْزَلَ اللَّه تَعَالى تَأْدِيْبًا لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولأمَّته، وإنما كَانَ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعرض عَنْهُ لاشتغاله بأشراف قريش، وكره أن يقطع كلامه، ونزل قولُه: {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} أي: ما يُدريك بما أراد أن يتعلمه من علمك فعَطَفَ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعده عَلَيْهِ وأكرمه حَتَّى استَخلفه على الصَّلاة.

وقولُه تَعَالى: {فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى}.

قَرَأَ عاصمٌ وحده: «فَتَنْفَعَهُ» نصبًا جعله جوابَ «لعلَّ» لأنَّ من العربِ من يَنصب جوابها بالفاءِ كالأمرِ والنَّهي إِذَا كانت لعل غير واقعةٍ، ويُنشد:

علَّ صروفَ الدهر أو دولاتها ... يدللننا اللمة من لماتها

فَتَسْتَرِيْحَ النَّفسُ مِنْ زَفْرَاتِهَا ... وتَنْقعَ الغُلَّةَ مِنْ غُلَّاتِهَا

ومن العرب من يَكسر اللّامَ من «عَلِّ» و «لَعَلِّ»، ويخفض بها أنشدنا ابنُ دُرَيْدٍ:

فَقُلْت ادْعُ أُخرى وأرفع الصَّوت ثانيًا ... لعل أبا المِغْوَاْرِ مِنْكَ قَرِيْبُ

و«إِنْ جَاءَهُ الَأعْمَى» «إنْ» بمعنى «إذ»، وَقَدْ قُرَئَ «أنْ جَاءَهُ الَأعْمَى» مثل «أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ» وتقديره: أَنْ جاءَ الَأعمى عَبَسَ.

وقرأ الباقون: «فَتَنْفَعُهُ» رفعا بالنفي عَلَى «تَزَّكَّى» «أَوْ يَذَّكَّرُ».

وقولُه تَعَالى: {فَأَنْتَ له تصدى}.

<<  <   >  >>