للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن سُورة «تَبَّت»

قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه: لما أنزل اللَّه تَعَالى عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} قام عَلَى المَروة، وقال: يا آل غَالبٍ، فاجتمعت إليه، فقال: يا آل لؤي، فانصرفت أولا غَالب سوى لُؤيّ، ثُمَّ قَالَ بعد ذَلِكَ حَتَّى انتهى إلى قُصَيٍّ، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: هَذِهِ قُصَيٌّ قَدْ أتتك فما لهم عندك، فَقَالَ: إنَّ اللَّه أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فقد أبلغتُكُم، فقُولوا لا إله إلا اللَّه تُفلحوا، فَقَالَ: ما دَعوتنا إلا لهذا تبًّا لَكَ، فأنزل اللَّه تَعَالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} أي: خَسِرَت، فيقال: إنَّما كنى لأن اسمه عَبْد العزي، فتبت الأولى دُعاءٌ، والثَّانيةُ: خَبَرٌ كما تَقُولُ: أهلك اللَّه فلانًا، وَقَدْ هَلَكَ «تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ» وفي حرف ابْنُ مَسْعُود «وَقَدْ تَبَّ» يُصحِّحُ ما قلت؛ لأن قَدْ مَعَ الفعل الماضي يَصيرُ حالًا، فقد تَبَّ بمعنى تابٌ هَذَا قول النَّاس كلهّم، ولا يكون الماضي حالًا إلا مَعَ وَقَدْ إلا ما حَدَّثَنِي أَبُو عمر، عن ثعلب، عن سلمة، عن الفراء، عنْ الكِسَائِيّ، قَالَ قَدْ يكون الماضي حالًا بغير قَدْ.

وقولُه تَعَالى: {يَدَا أبِي لَهبٍ}.

قَرَأَ ابْنُ كَثِيْر وحده: «لَهْبٍ» بإسكان الهاء.

والباقون يفتحونه فكأنه جعلها لغةٌ مثل وَهَبٍ ووهب، ونهر ونهر، فالاختيار الفتح ليوافق رءوس الآي {الحطب} و {يَدَا أَبِي لَهَبٍ}.

وقولُه تَعَالى: {حَمَّالَةَ الحَطَبِ}.

قَرَأَ عاصم وحده: «حَمَّالَةَ» بالنَّصب عَلَى الشَّتمِ والذَّمِّ أي: أشتم حمالةَ الحَطَبِ وأذمُّ وأَعنى، أنشدني ابْنُ دريد:

سَقَوْنِى الخَمْرَ ثُمَّ تَكَنَّفُوْنِي ... عُدَاةَ اللهِ مَنْ كَذِبٍ وزُوْرِ

وقرأ الباقون بالرَّفع جعلوه ابتداء وخبرًا، «وامْرَأَتُهُ حَمَّالَهُ الحَطَبِ» أي هِيَ حمالةُ.

وفي حرفِ ابْنُ مَسْعُود: «وَمُرَيَّتَهُ حمَّالةٌ للحَطَبِ» فقيل: كانت تحمل الشَّوك فتلقيه عَلَى طريقِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقيل: كانت تَمشي بالنَّميمة، يُقال للنَّميمة:

الحَطَبُ؛ لأنَّها تُلهب كما تُلهب النَّارُ، وأنشد:

مِنَ البِيْض لَمْ تُصْطَدْ عَلَى ظَهْر لَأمةٍ ... وَلَمْ تَمْشِ بَيْنَ القَوْمِ بالحَطَبِ الرَّطْبِ

<<  <   >  >>