للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن سورة مريم عليها السّلام

قولُه تَعَالَى: {كَهيعَصَ}.

فيها خمسُ قراءاتٍ:

قرأ ابن كثيرٍ، ونافعٌ، وحفصٌ عَنْ عاصمٍ، بتفخيمِ الحُروف كلِّها، وكان نافعٌ قراءته بينَ بين؛ وذلك أنَّ هذه الحروفَ تُذَكَّرُ وتُؤَنَّثُ، وتُمدُّ وتُقصَرُ، وتُمال وتفخَّمُ، فيقال: ياءٌ وطاءٌ، ويا وطا.

ومن العربِ من ينحو بِهِ نحو الواوِ، فيقولُ: طُو ويُو وهُو. وقد قرأ بذلك الحَسَنُ «كُهُيُعص».

وقرأ عاصمٌ في راويةِ أبي بكرٍ والكِسَائِيّ بإمالةِ هذه الحروف.

وقرأ ابن عامر، وحمزة بفتح الهاء وإمالة الياءِ «كَهَيعَصَ»، وكأنَّهما كرها تواتى الفَتَحَات والكَسْرات، فأمالا بَعضًا، وفَتحا بَعضًا.

وقرأ أَبُو عَمْروٍ ضدَّ ذَلِكَ، فكسرَ الهاءَ، وفتحَ الياءَ لهذه العلّة الّتي تقدمت.

وحدَّثني مُحَمَّد بْن الحَسَن الأَنْبَارِيُّ، عَنْ ابن فَرَحٍ، عَنْ أبي عُمَر، عَنْ اليَزِيِديَّ، عَنْ أبي عَمْروٍ، أَنَّهُ قرأ: «كَهِيِعَصَ» بكسر الهاءِ والياء. قال: قلتُ لأبي عَمْروٍ: لِمَ كَسرتَ الهاءَ؟ ، قَالَ: لئلا تلتبس بالهاء الّتي للتنبيه، قلت: فلمَ كسرتَ الياءَ؟ . قَالَ:

لئَلَّا تلتبس بالياءِ الّتي للنِّداء إذَا قلتَ: يا رَجُلُ، ويا زَيْدُ. وهذا حَسَنٌ جدًّا.

قَالَ ابنُ مُجاهدٍ: واللَّفظ‍ بهذه الحُروف أن تَنظَر، فَما كَانَ منها عَلَى حرفين كَانَ أقصرَ مدًّا، نحو ها، ويا، وما كَانَ عَلَى ثلاثةِ أحرفٍ كَانَ أطولَ مدا، نحو كاف، وصاد.

فإن قيلَ لَكَ: فإنَّ أبا عَمْروٍ وغيرَه مِمَّن أَدغَم الدَّالَ في الذَّالِ من (ص ذكر) جَعلوه أطولَ من كاف؟

فالجوابُ في ذَلِكَ: أنَّ الألفَ إذَا وقعَ بعدها حرفٌ مشدّدٌ، نحو دابَّة، وشابَّة، وتابَّة، وهي العجوزُ، فلا بد من مدِّه، تمكينًا للحرفِ المُدغمِ، وليكون حاجزًا بين السَّاكنين.

واختلفَ أهلُ التأويلِ في {كهيعص}.

<<  <   >  >>