للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ قومٌ: أقسمَ الله تَعالى بحروفِ المُعجم، ثُمَّ اجتزأ ببعضٍ عَنْ بعضٍ.

وقال آخرون: بل وهو شِعَارٌ للسُّورة.

وقال عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبي بَكْر: لِله تَعَالَى مَعَ كلِّ نبيٍّ سرُّ، وسرٌّ الله تَعَالَى مَعَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في القرآن الحُروفُ المقطعةُ.

فإن سألَ سائِلٌ: ما معنى قولِ عليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يا كاف ها، يا ع ص اغفر لي؟

فالجوابُ في ذَلِكَ: أنَّ عليًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ يتأوّل كلَّ حرفٍ من الحروف المُقطَّعة اسمًا من أسماء الله عَزَّ وجَلَّ، فالكاف من {كهيعص: } الكافي، والهاءُ: الهادِي، والصَّادُ: من صادقٍ، والعَينُ: من عَليمٍ. كأنَّه قَالَ: يا كافِي، يا هَادي، يا عَلِيم، يا صادق، ثُمَّ اجتزأ ببعضِ الحروف عَنْ كلٍّ، كما تَقُولُ العرب، ألا تا، تريد: أَلا تَرحل؟ فيقول: بلى فَا، أي: بَلَى فَأَفعل. قَالَ الشَّاعِرُ:

ناداهُمُ أَنْ ألْجِمُوا ألا تا ... قول امرئ للجلبات عبّا

ثُمَّ تَنادوا بعد تِلْكَ الضَّوضا ... منهم بهاب وهل وبابا

ومن ذلك حديث رسول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كفى بالسَّيف شا». أراد أن يَقُولُ عَلَيْهِ السَّلام: «شاهدًا»، ثُمَّ قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «لولا أنْ يتتابع فيه الغيران والسكران».

وقوله تعالى: {كهيعص ذكر رحمت رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا}.

أدغَمَ الدَّال في الذّال أَبُو عَمْرو، وحمزةُ، والكِسَائِيُّ تَخْفِيفًا لقربِ مَخرج الدَّالِ من الذَّالِ.

والباقون يظهرون إذَا لم يتجانسا، وليسا أختين.

وكان أَبُو عَمْروٍ يسكّن الرَّاءَ من «ذَكِرْ»، ويدغمها في الراء من «رحمة»، فيقول: «ذكر رحمت ربِّكَ».

والباقون يظهرون إذَا كَانَا من كلمتين، ولأنَّ الرَّاءَ الأولى متحركةٌ، وقد مَضَى مثل ذَلِكَ فيما سَلَفَ من الكتاب، والتَّقديرُ في الآية: ذِكْرُ ربِّك عبدَه بالرَّحْمَةِ.

قولُه تَعَالَى: {إني خفت الموالي من ورائي}.

قرأ ابن كثير، فيما قرأت على ابن مجاهدٍ، عَنْ قنبل - «ورآءىَ» بفتح الياء، والمدّ، والباقون يُسَكِّنون الياءَ تخفيفًا، لطولِ الحَرْفِ مَعَ الهمزة.

<<  <   >  >>