وفيها قراءةٌ ثالثةٌ: روى عُبَيْدٌ، عنْ شبلٍ، عَنْ ابنِ كَثيرٍ «مِنْ وَرَاىَ وَكَاْنَتِ» مثل:
هُداىَ.
وقد ذَكرتُ علّة ذَلِكَ في سورة إبراهيم عَلَيْهِ السَّلام، والوَرَاءُ: وَلَدُ الوَلَدِ ممدودٌ، الوَرَاءُ: الخَلْفُ، والوَرَاْءُ: القُدَّامُ. ومعنى هذه الآية: {خِفْتُ المَوَالِىَ من ورائي} أَي:
أَمامِي وقُدَّامِى، قَالَ الشَّاعرُ:
أَيَرْجُو بنو مَرْوَان سَمْعِي وَطَاعَتِي ... وَقَوْمِي تمِيمٌ وَالفَلَاةُ وَرَائِيَا
والوَرَىُ مقصورٌ: داءٌ في الجوفِ، والوَرَى أيضًا: الخلْقُ، يقالُ: ما أدري أي الورى هو؟ وأي الطمش هو؟ وأيّ تُرخمٍ، وأيَّ الطَّبل هُوَ؟ وأيَّ برنساء هُوَ؟ كلُّ ذَلِكَ معناه: لا أَدْرِي أيّ النّاسِ هُوَ؟
وذكر الحَجَّاجُ، عَنْ هارون، عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق، عَنْ أَبِيهِ وهبٍ، عَنْ كَعب مولى سَعيد بْن العاص، عَنْ سَعيد بْن العاص، قَالَ: أَملى عليَّ عُثْمَان بْن عفان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، «وَإِنِّي خَفَّتِ الْمَوَالِيَ من ورآئي».
أي: ذهبَتْ وقلَّتْ، والموالى: بنو الأَعمامِ. قَالَ الشَّاعِرُ:
مَهْلًا بني عَمَّنَا، مَهْلًا مَوَاْلِيْنا ... لَا تَنْبُشُوا بَيْنَنَا مَا كانَ مَدْفُوْنًا
فالمَوْلَى: ابنُ العَمِّ، والمَوْلَى: المُعْتِقُ، والمَوْلَى: المُعْتَقُ، والمَوْلَى: النَّاصِرُ، والمَوْلَى: الأَوْلَى، والمَوْلَى: الوَلِيُّ، والمَوْلَى: الإِمَامُ.
وقَوله تَعَالَى: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}.
قرأ أَبُو عَمْروٍ، والكِسَائيُّ، جَزْمًا جوابًا للأمرِ، وإنما صارَ جوابُ الأمرِ مجزومًا؛ لأنَّ الأمرَ مَعَ جوابِهِ بمنزلةِ الشَّرطِ، والجَزَاءِ، أي: هَبْ لِي وليًّا، فإنَّك إن وَهَبْتَهُ لي ورثني.
قرأَ الباقون: «يَرثُنِي» بالرَّفِع عَلَى تقديرِ: فإنه يَرِثُني، ومَن اختارَ الرَّفعَ قَالَ:
«وليًا» نكرةٌ، فجعلت «يرثني» صلةً، كما تَقُولُ: أَعِرْني دابةً أَرْكَبُهَا، ولو كَانَ الاسمُ معرفةً لكان الاختيارُ الجزَم، كما قَالَ تَعالى: {فَذَرُوْهَا تَأكُلْ فِيْ أَرْضِ اللهِ، } والنكرةُ نحو قولُه: {خُذْ مِنْ أَموالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ}.
ولمَنْ رَفَعَ حُجَّةٌ أُخرى: أنَّ الآيةَ قد تمَّت عندَ قولِهِ «وَلِيًّا». وقالَ ابنُ مُجاهدٍ: مَنْ جَزَمَ جاز لَه أن يقفَ عَلَى «وَلِيًا»، ومَنْ رَفَعَ لم يَجُزْ، لأنه صلة.