للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: الصِّلةُ من المَوْصُوْلِ، كالشَّرطِ‍ من الجَزاءِ، لا يَتِمُّ أحدهما إلَّا بصاحبه، فمَن أجازَ الوَقفَ عَلَى «وَليًّا»؛ لأنَّهما رأسُ آيةٍ، جعلها وقفًا حسنًا لا تامًا، لأنَّ الحَسَنُ ما حَسُنَ الوَقْفُ عَلَيْهِ وقُبح الابتداء بِهِ. وقال المُفسرون: التَّقديرُ هَبْ الّذي يَرِثُنيْ. ولو قَالَ قائلٌ: إنّما رفعتُ «يَرِثُني»، لأنَّ معناهُ: هب لي وليًا وارثًا. والفعلُ المضارع إذَا حلَّ محلَّ اسمِ الفاعلِ، لم يَكن إلَّا رفعًا، كقوله تَعالى: {ولا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}. أي: مُستكثرًا. وقرأ سعيدُ بن جُبيرٍ: «هَبْ لِيْ أُوَيْرِثًا»، أرادَ: وويرثا، فانقلبت الواوُ همزةً، مثل: {وإذَا الرُسُّلُ أُقِّتَتْ}. والأصل: وُقّتت، «وو يرثا» تصغيرُ وارثٍ، كما تقولُ في صالح: صُويلح.

وقولُه تَعَالَى: {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكِبَر عِتِيًّا}.

قرأ حمزة والكسائيّ: «عِتِيًّا» و «صِلِيًّا» و «جِثِيًّا» و «بِكِيًّا» وكذلك حفصٌ، إلا «بُكيّا». فإنَّه ضَمٌّ. والباقون يَضُمُّون كلُّ ذَلِكَ، فمَن كَسَرَ أوائل هذه الحروف، فلمجاورة الياء، والأَصلُ الضَمُّ لأنَّها جمعُ فاعلٍ، مثل جالسٍ وجُلوسٍ، وكذلك صالٍ وصُلُىٌّ، والأصل صُلُوْىٌ، وبُكُوْىٌ عَلَى وزن فُعُوْلٍ، فانقلبت الواوُ ياءً، وأدغمت الياءُ في الياء. فالتشديد من أجل ذَلِكَ.

والأصلُ في «عُتِيًّا»: عُتُوٌ، لأنَّه من عَتَا يَعْتُو، والأولُ من بَكَى يَبْكِي، كما قَالَ تَعالى: {وَعَتَوا عُتُوًّا كَبِيْرًا}.

فإن قيلَ لك: قِيلَ في هذه السُّورة: «عُتِيًّا» بالياء، ولم يقل: عُتُوًّا بالواو؟

فالجوابُ في ذَلِكَ: أنَّ عتيًّا جمع عاتٍ، وأصلُ عاتٍ: عاتِوٌ، فانقلبت الواوُ ياءً لانكسارِ ما قبلها، فبنوا الجمعَ عَلَى الواحِد في قلبِ الوَاوِ ياءً، لأنَّ الجمعَ أثقلُ من الواحدِ، وقولُه: {وَعَتَوْا عُتُوًّا} مصدرٌ، والمَصْدَرُ يُجري مُجرى الواحدِ حُكمًا، وإنْ كَانَ في اللَّفظِ‍ مُشاركًا للجمعِ، أَلَا تَرى أنَّك تقولُ: قَعَدَ قُعُوْدًا، وقومٌ قُعُوْدٌ.

فإن قيل: ف‍ «عتيا» في مريم أيضًا مصدر، فَلِمَ قُلِبَ؟

فقُل: ليوافق رءوس الآى، فآعرفه.

فإن قيلَ: فلمَ لَمْ يُختلف في قولُه: {فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا}. فيقرأ مِضِيًّا كما قُرئ «بِكِيًّا»؟

فالجوابُ في ذَلِكَ أنَّ الاعتلالُ، والخروجُ عَنْ الأصلِ إنَّما يكونُ في الجمعِ للعِلَّة الّتي

<<  <   >  >>