للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنبأتُك بها، و {مُضِيًّا} مصدَرٌ، تَقُولُ: مضى يمضي مُضيًّا، ولو كَانَ جمعًا لماضٍ لقُلتَ: قومٌ مُضِيّ ومِضِيّ، كما تَقُولُ: بُكيٌّ وبِكيٌّ، إنّما قَالَ الله تَعَالَى: {فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا} أي: مضاء، وهذا واضحٌ بحمدِ الله. وفي حَرفِ عبدِ الله، «وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكِبَرِ عُسِيًّا» يقال للشيخ إذَا كَبر: عَسا يَعسو، وعَتا يعتو إذَا يَبِس.

وقولُه تَعَالَى: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ}.

قرأ حَمْزَةُ والكِسَائِيُّ: «وَقَدْ خَلَقْنَاكَ».

وقرأ الباقون: «وَقَدْ خَلَقْتُكَ» بالتاءِ.

فمَن قرأ بالتَّاء فحجَّته: «هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ»، ولم يقل: عَلَيْنَا.

ومَن قرأ بلفظِ‍ الجمعِ، فلأن الله تَعَالَى قَدْ قَالَ بَعد الآيَةِ: {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا} أي:

رَحْمَةً من عندِنا، والعَرَبُ تقولُ: حَنَانَيْكَ أي: رَحْمَةً بعدَ رحمةٍ كما قَالَ: لَبَيْكَ وسَعْدَيْكَ. قَالَ الشَّاعِرُ:

أَبَا مُنْذِرٍ أَفْنَيْتَ فَاسْتَبْقِ بَعْضَنَا ... حَنَانيْكَ بَعْضُ الشَرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضِ

وسمعتُ أبا عُمر يَقُولُ: «وَحَنَانًا». قَالَ: هَيْبَةً من لَدُنَّا.

وذكر الله تَعَالَى نِعَمَهُ عَلَى يَحْيَى بْن زكريا حيثُ خلقه ولم يَكُ شيئًا موجودًا مرئِيًا عند المخلوقين. فأمَّا الله تَعَالَى فَعِلْمُهُ ما لم يَكْن كَعِلْمِهِ بِهِ بعدَ أن كوَّنه. وقد كَانَ يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلام في عِلم الله شيئًا. وإنّما سُمي يَحْيَى لأنه حَيِيَ من عَقيمين، كانت أمُّه أَتت عليها خمسُ وتسعون سنةً، وأبوه نيِّفٌ وتسعون، لا يُولد لهما فحيى من بين مَيِّتَيْنِ قد يَئِسَا من الوَلَد.

وقوله: {لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا}.

قِيلَ: لَم يُسمَّ أحدٌ يَحْيَى قبل يَحيى. وقال آخرون: السَّمِيُّ: الولدُ واحتجّوا بقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}.

قَالَ أَبُو عبدِ الله: وسَمِعْتُ القاضي أبا عِمْرَان بْن الأَشْيَبَ يَقُولُ: يَحْيَى أفضلُ من عِيْسى عند أهلِ التَّأويلِ، لأنَّ الله تَعَالَى سلَّم عَلَى يَحْيَى فَقَالَ: {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ} وعيسى يُسَلّمُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ: {والسَّلامُ عَلَيَّ} والأمر عندي واحدٌ، لأنَّ عِيْسى لم يُسلم عَلَى نَفْسِهِ في حالِ البُلوغ والنُّطق، وإنَّما أنطقه الله في المَهدِ صَبِيًّا إمارةً لنُبُوَّتِهِ، وأنَّه من غير فحلٍ.

<<  <   >  >>