وقولُه تَعَالَى: {لأَهَبَ لَكِ غُلَامًا}.
قرأ أَبُو عَمْروٍ وحده: «إنّما أَنَا رَسُولُ ربِّك لَيَهَبَ لَكِ» بالياء أي: ليَهَبَ الله لَكِ؟
وقرأ الباقون: «لأهَبَ لَكِ». جبريلُ يُخبرُ عَنْ نَفْسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
فإن قَالَ قائلٌ: الهبة الله تَعَالَى فلمَ أخبرَ جِبريل عَنْ نَفْسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
ففي ذَلِكَ قولان:
أحدُهما: إنَّما أَنَا رَسُولُ ربَّكِ. يَقُولُ الله: {لأهب لك}.
والقولُ الثَّاني: لأهَبَ أنَا لَكِ بأمرِ الله، إذْ كَانَ النافِخُ في جَيْبِهَا بأمرِ الله تَعَالَى.
ورأيتُ أبا عُبَيْدٍ قد ضَعّف قراءةَ أبي عَمْروٍ واختيارَه، لخلافِ المُصحف قَالَ: ولو جازَ لنا تَغْيِيرُ المُصْحَفِ لجازَ لنا في كلِّ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو عبدِ الله: لَيْسَ هذا خِلافًا للمُصْحَفِ، لأنَّ حروفَ المدِّ واللِّيْن وذَوات الهَمزِ يُحوَّل بعضٌ إِلى بعضٍ وتُلين. ولا يُسمّى خلافًا، ألا ترى أنَّ نافعًا في رواية ورشٍ قرأ: «لَيَلَّا يَكُوْنَ لِلنَّاس» يريد: لَئَلَّا، فَجَعَلَ الهمزةَ ياءً، والقراءُ يقرءون إذَا وإيذا، وكذلك ورشٍ عَنْ نافعٍ مثل قراءةٍ أبي عَمْرو، «لِيَهَبَ»، وإنما الخلافُ نحو «كالصوف المنفوش» و {كالعهن} و «وسئل {بني إسرائيل» و {سل بني إسرائيل} فأمّا التَّليين فلا يُسمى خلافًا.
وقولُهُ تَعَالَى: {نَسْيًا مَنْسِيًّا}.
قرأ حمزةُ وحفصٌ عَنْ عاصمٍ: «نَسْيًا» بفتح النون، والباقون بالكسر. فمَن فَتَحَ أراد المَصْدَرَ نَسِيْتُ الشَّيءَ أَنْسَى نَسْيًا ونِسْيَانًا. ويُقال: هذا شَيْءٌ لَقًا - مَقْصُوْرٌ - ونسيٌ. قَالَ الشَّاعر:
كأنَّ لها في الأرْضِ نِسْيًا تَقْصُّهُ ... عَلَى أَمِّهَا وإن تُحَادِثْكَ تُبْلِتِ
معنى تَبْلِتِ أي: تعقب وتصدق. فأمَّا النَّسء - بالفَتْحِ والهَمْزِ - فالتأخير قرأ ابن كثير: «إنما النسء زيادة في الكفر» والنسء: اللَّبَنُ، قَالَ عُرْوَةُ بْن الوَرْدِ:
بآنِسَةِ الحَدِيْثِ رِضَابُ فِيْهَا ... بُعَيْدَ النَّوْمِ كالعِنَبِ العَصِيْرِ
أَطَعْتُ الآمِرِيْنَ بَصَرْم سَلْمَى ... فَطَارُوا في البِلَادِ اليَسْتَعُوْرِ
سقوني الخمر ثم تكنفوني ... عداة الله من كَذِبٍ وَزُوْرِ
اليَسْتَعُوْرُ: البلادُ البَعِيْدَةُ. والخَيْتَعُوْرُ: الداهيه والخيتعور: الغدر، والمرأة الغدَّارةِ،