للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{السَّيِّئَاتِ} فَأَمَّا قَوْلُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَرَغَ رَبُّكُمْ مِمَّا هُوَ كَائِنٌ».

إِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ يَنْسَخُ مَا قَدْ فَرَغَ مِنْهُ؟

فَالْجَوَابُ فِي ذَلِكَ: إِنَّ مَعْنَاهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّغَ مِنْهُ عِلْمًا، وَعِلْمُ اللَّهِ لَا يُوجِبُ ثَوَابًا وَلَا عِقَابًا، وَإِنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ بِالْعَمَلِ، فَإِذَا كَتَبَ الْمَلَكُ ثُمَّ تَابَ الْعَبْدُ فَمَحَاهُ اللَّهُ قَبْلَ ظُهُورِ عَمَلِ الْعَبْدِ، لِأَنَّ عِلْمَهُ بِهِ قَبْلَ ظُهُورِهِ كَعِلْمِهِ بَعْدَ ظهوره.

وقيل في قوله تعالى: {يمحوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} يَعْنِي بِهِ النَّاسِخَ والمنسوخ، قال أبو عبيدة، يقال محا يمحو، محى يَمْحِي بِمَعْنًى، فَأَمَّا مَحَّ الثَّوْبُ وَامَّحَّ فَمَعْنَاهُ:

بَلِيَ.

وَأَخْبَرَنَا ابْنُ دُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ:

إِيَّاكَ ومسألة الناس فإن المسألة تمحو الْوَجْهَ أَيْ: تَحْلِقُ الشَّعْرَ، قَالَ الشَّاعِرُ:

رَبْعِ دَارٍ مَحَّهُ الْإِقْوَاءُ ... وَعَفَتْهُ الْأَرْوَاحُ وَالْأَنْوَاءُ

كَرَّ فِيهِ الْبِلَى فَأَخْلَقَ بُرْدَ ... يْهِ صَبَاحٌ يَعْتَادُهُ وَمَسَاءُ

وَقِيلَ: مَنْ سَأَلَ النَّاسَ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا مِزْعَةَ عَلَى وَجْهِهِ، أَيْ: قِطْعَةَ لَحْمٍ، وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِيَّاكَ أَنْ تُقَطِّرَ مَاءَ وَجْهِكَ بِالْمَسْأَلَةِ إِلَّا عِنْدَ أَهْلِهِ»، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَهُوَ غَنِيٌّ جَاءَتْ مَسْأَلَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُمُوشًا فِي وَجْهِهِ وَكُدُوحًا».

- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ}.

قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو «الْكَافِرُ» مُوَحِّدًا، لِأَنَّ الْكَافِرَ يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ فَقَطْ‍.

وَلَهُمْ حُجَّةٌ أُخْرَى: أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ بِمَعْنَى الْجَمَاعَةِ وَالْجِنْسُ كَمَا تَقُولُ: أَهْلَكَ النَّاسَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} لَمْ يُرِدْ كَافِرًا وَاحِدًا.

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: «وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ» عَلَى الْجَمْعِ، وَحُجَّتُهُمْ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ وَأُبَيٍّ، لِأَنَّ فِي حَرْفِ أُبَيٍّ: «وَسَيَعْلَمِ الَّذِينَ كَفَرُوا» وَفِي حَرْفِ عَبْدِ اللَّهِ، «وَسَيَعْلَمِ»

<<  <   >  >>