فإذا كان الحَذَرُ لَهُ لازمًا قِيلَ: رَجُلٌ وطَمِعٌ وسَبِد، ورجلٌ طامعٌ وسابِدٌ وحاذرٌ فيما يستقبل.
وقرأ الباقون: «لَجَمِيْعٌ حَذِرُوْنَ» بغير ألفٍ، وقد فسرناه.
ولو قرأ قارئ «حَذُرُوْنَ» - بضمِّ الذَّالِ - لجاز إلا أنَّ القراءةَ سنةٌ، لأنَّ العرب تَقُولُ: رَجُلٌ حَذِرُ وحَذُرٌ وحَذْرٌ وفَطِنٌ وفَطْنٌ ويَقِظٌ ويَقْظٌ ونَدِسٌ ونَدُسٌ.
وفيها قراءة ثالثة: «حادِرون» بالدَّال. قرأ بذلك عَبْد الله بْن السَّائب، ومعناه:
نَحن أَقوياءُ غلاظُ الأجسامِ؛ لأنَّ العربَ تقولُ: رجلٌ حادِرٌ: أي: سَمين، وعينٌ حدرة بدرة: إِذَا كانت واسعةً عظيمةَ المُقلة، قَالَ امرؤ القيس:
وَعَيْنٌ لَهَا حَدْرَةٌ بَدْرَةٌ ... شُقَّتْ مَآقِِيْهَا مِنْ أُخَرْ
فالدَّال والذَّال فِيْ حاذرون وحادرون بمعنَيَيْن. فَأمَّا قولهم: خردلت اللَّحم وخرذلته، أي: قطّعتُهُ صغارًا. وشرذمة وشردمة، وشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ، وشرذْ بهم بمعنًى واحدٍ، الذَّال والدَّال.
وقولُه تَعَالى: {فلمَّا تَرَاءَا الجمعان}.
قرأ حمزة وحده «تراءى الجمعان» بالكسر.
وقرأ الباقون بالفتح «تراءى الجَمْعَانَ» عَلَى وزن تَدَاعَى؛ لأنَّه تفاعل من الرُّؤية، كَمَا تَقُولُ: تَقَابل الجمعان، وهو فعل ماضٍ موحّد، وليس مثنَّى، لأنَّه فعل متقدِّمٌ عَلَى الاسم، ولو كان مثنى لقلت: ترآءيا. والقراء تختلف فِيْ الوقف عَلَيْهِ عَلَى ثلاثةِ أوجه:
فوقف حمزة: «تراء» بكسر الراء ممدود قليلًا؛ وذلك أن من شرطه ترك الهمز فِيْ الوقف فتَرَكَ الهمزة التي بعد الألف وكأنَّه يريدها، فلذلك مدَّ قليلًا كَمَا قَالَ: «من السَّماء مآ» إِذَا وقَف بألفٍ واحدةٍ وتشير إلى المَدّ.
ووقف الكسائي: «فلما تراءى» بالإمالة مثل تداعى وتقاضى.
ووقف الباقون: «تراءا» بألفين عَلَى الأصل ويُنشد:
يا راكبا أقبل من ثهمد ... كيف تركت الإبل والشاء
وقال آخر:
يا ضوء طالع معي الأضواء ... لا غَرْوَ أن ترتقب العماءا
أما ترى لبرقه لألاء ... على أن تجعله صلاء