للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«يُنْزَفُوْنَ» بالفتح جمع بين اللُّغتين تخفيفًا فصار يَزِفُ ويَعِدُ ويَزِنُ فإذا أمرت قلتَ: زِفْ وعد وزن.

وقوله تعالى: انظر {ماذَا تَرَى}.

قرأ حمزةُ والكِسَائِيُّ: «تُرى» بضم التّاء وكسر الرّاء من أريتَ تُرِى أي: إذا ما تُشير والأصل: ترأى فنقلوا كسرةَ الهمزةِ إلى الراءِ، وحذفوا الهمزة لسكونها، وسكون الياء.

وقرأ الباقون: «مَاذا تَرَى» بالفتح. غير أنّ أبا عَمْرٍو كان يميل الراءَ من أجلِ الياءِ.

والباقون يفتَحون جعلوه من الرَّأى والرُّؤية، لا من المَشورة. وكان إِبْرَاهِيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى فِي المَنام فأُمر بذبح ابنِهِ. ورؤيا الأنبياء وحيٌ، فلذلك قَالَ ابنه: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} قَالَ ذَلِكَ وهو ابن ثلاث عشرة سنة.

{وتله للجَبِيْنِ} أي: صَرَعَهُ وألقاه عَلَى وَجهه لئلَّا يَرى وجهه فيَرحمه. فلمَّا عرف اللَّه طاعةَ إِبْرَاهِيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُ، وطاعة ابنه إيَّاهُ شكَرَ اللَّه تَعَالى لهما بذلك، ففداه بذبحٍ عظيمٍ بكبشٍ قد رَعى فِي الجَنةِ أربعين خريفًا.

واختَلف الناسُ فِي الذّبيحُ؟ فَقَالَ قومٌ: إِسْحَاق، وقال آخرون إِسْمَاعِيل عليهما السَّلام. واحْتجُّوا بقول رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنا ابنُ الذَّبِيْحَيْنِ» وبقوله تَعَالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بإسْحَاقَ نَبِيًّا من الصَّالِحِيْن}، قَالَ: فَكيف تكونُ البِشارة مَعَ الذَّبْحِ؟ ! .

واحتَجَّ الآخرون فقالوا: «وفَدَيناهُ» أي: وفدينا إِسْحَاق وبشرنا إِبْرَاهِيم بنبوَّةِ إِسْحَاق بعد أن فداه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فمَن قَالَ: إِسْحَاق، فعليٌّ وابنُ مسعودٍ وكعبُ الأحبارِ. ومن قَالَ: إنه إِسْمَاعِيل، فإنَّه عُمر ومحمد بْن كعب القُرَظِيُّ وسعيد بْن المُسَيِّب. ومَن قَالَ: إنه إِسْحَاق قَالَ كان فِي إِسْحَاق بشارتان: فبشرناه بغلامٍ حليمٍ، وبشرناه بإسحاق نبيًا من الصالحين. ومعنى تَلّه: صَرَعَهُ كما أخبرتك. وأمَّا حديثُ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنّ جبريل عَلَيْهِ السَّلام أتاه بمفاتيحِ خزائنِ الأرضِ فَتَلَّها فِي يَدِ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فمعناه: صبها.

<<  <   >  >>