للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقولُه تَعَالى: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ}.

قرأ نافعٌ وابنُ كثيرٍ وابنُ عامرٍ: «فاعتُلُوهُ» بالضمة.

وقرأ الباقون بالكَسر، وهما لُغتان عَتَلَ يَعْتِلُ ويَعْتُلُ مثل عَكَفَ يَعْكِفُ ويَعْكُفُ، لأنَّ الماضي إذا كان على فعل بالفتح جاء المستقبل عَلَى الضَمِّ والكَسْرِ. مثل عَكَفَ يَعْكِفُ ويَعْكُفُ، وعَتَلَ يَعْتِلُ ويَعْتُلُ. والعَتْلُ فِي اللُّغةِ: أن يساق إلى النارِ بعسفٍ وشدَّةٍ والعُتُلّ: الغَلِيْظُ‍ الشديدُ من قولُه: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} والزَّنِيْمُ: وَلَدُ الزِّنا، قَالَ حسَّانُ:

زَنْيِمٌ تَدَاعَاهُ الرجال زيادة ... كما زيد في عرض الأديم الَأكارِعُ

وسَوَاءُ الجحِيْمِ: وَسْطَهُ. والسَّوَاءُ أيضًا بمعنى سِوَى، والسَّوَاءُ العَدْلُ من قولُه:

{إلى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ}.

وقولُه تَعَالى: {ذُقْ إنَّكَ}.

قرأ الكِسَائِيُّ وحده: «ذُقْ أَنَّكَ» بالفتح، أراد: ذق لأنَّك وبأنَّك أنت العزيزُ الكريمُ عندَ نفسِكَ فِي دعواك، فأَمَّا عندنا فلستَ عزيزًا ولا كريمًا. وذلك أنَّ أبا جهلٍ - لعنه اللَّه - كان يَقُولُ ما بالوَادِي أعزّ مِنّي ولا أَكرم.

وقال آخرون: ذُق إنك أنتَ السَّفيهُ الأحمقُ فعبّر اللَّه تَعَالى وكَنّى بأحسنِ لفظٍ‍ كما خاطبَ قومُ شعيبٍ شعيبًا: {إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} ومن أحسن ما جاءَ فِي الكِناية: {كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} كَنَّى اللَّه تَعَالى عنْ الغائِطِ‍، والبَوْل، وكما كنّى عنْ الفَرج بالَأرض: {وأرضا لم تطؤها} وبالجِلْدِ عنْ الفَرج من قَولِهِ: {وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

وذهبَ الكِسَائِيُّ إلى ما سَمِعْتُ ابنَ مجاهدٍ يَقُولُ: روى حجر عنْ أَبِي قَتَادَة الْأَنْصَارِيّ، عنْ أَبِيهِ، قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَن بن علي يقرأ: «ذق أنك.»

وقرأ الباقون: «ذق إنك» بالكسر جعلوا «ذق» أمرًا تمام الكلمة «وإن» مستأنفة.

وكلُّ ما في القرآن من «إن» المكسورة فلا تخلو من أن تكون مستأنفةً أَوْ جائِيَةً بعد قولٍ أَوْ قد استقبلتها لام الخَبر أَوْ جوابُ القَسم. وقد فسّرت ذَلِكَ فيما سلف من الكتاب.

<<  <   >  >>