للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولذلك قال شيخ الإسلام بعد مقالة الشيخ عبد القادر هذه في «مجموع الفتاوى»: «وهو ? كان يُعَظِّم الأمر والنهي، ويُوصي باتِّباع ذلك، ويَنهى عن الاحتجاج بالقَدَر» (١).

والتصوف قديمًا كان مرادفًا- عندهم- للزُّهد، أي: التقلل من الدنيا مع طول العبادة؛ قال شيخ الإسلام: «وأما أئمة الصوفية والمشايخ المشهورون من القدماء: مثل الجُنَيد بن محمد وأتباعه، ومثل الشيخ عبد القادر وأمثاله؛ فهؤلاء من أعظم الناس لزومًا للأمر والنهي، وتوصية باتِّباع ذلك، وتحذيرًا من المشي مع القَدَر، كما مشى أصحابُهم أولئك» (٢).

ثم بَيَّن- الفارقَ بين طريقة السلف ومنهم الشيخ عبد القادر الجيلاني، وطريقة من حادوا عن طريق الحق فزَلُّوا وضَلُّوا وأَضَلُّوا؛ فقال: «والشيخ عبد القادر كلامه كله يدور على اتباع المأمور وترك المحظور والصبر على المَقدور، ولا يُثبت طريقًا تخالف ذلك أصلًا، لا هو ولا عامة المشايخ المَقبولين عند المسلمين، ويُحذر عن ملاحظة القَدَر المحض بدون اتباع الأمر والنهي، كما أصاب أولئك الصوفية الذين شهدوا القَدَرَ وتوحيدَ الربوبية، وغابوا عن الفرق الإلهي الديني الشرعي المحمدي؛ الذي يُفَرِّق بين محبوب الحقِّ ومكروهه، ويُثبت أنه لا إله إلا هو. وهذا من أعظم ما تجب رعايته على أهل الإرادة والسلوك؛ فإنَّ كثيرًا من المتأخرين زاغ عنه فضل سواء السبيل، وإنما يَعرف هذا مَنْ توجَّه بقلبه وانكشفت له حقائق الأمور، وصار يشهد الربوبية العامة والقيومية الشاملة، فإن لم يكن


(١) «مجموع الفتاوى» (٨/ ٣٠٦).
(٢) «مجموع الفتاوى» (٨/ ٣٦٩).

<<  <   >  >>