معه نور الإيمان والقرآن الذي يحصل به الفرقان حتى يشهد الإلهية التي تُميز بين أهل التوحيد والشرك وبين ما يحبه الله وما يبغضه وبين ما أمر به الرسول وبين ما نهى عنه، وإلا خرج عن دين الإسلام بحسب خروجه عن هذا؛ فإن الربوبية العامَّة قد أقرَّ بها المشركون الذين قال فيهم: ﴿وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون﴾ [يوسف: ١٠٦]. وإنما يصير الرجل مسلمًا حنيفًا موحدًا إذا شهد: أن لا إله إلا الله. فعبد الله وحده بحيث لا يُشرك معه أحدًا في تألهه ومحبته له وعبوديته وإنابته إليه وإسلامه له ودعائه له والتوكل عليه وموالاته فيه ومعاداته فيه؛ ومحبته ما يحب؛ وبغضه ما يُبغض، ويَفنى بحقِّ التوحيد عن باطل الشرك؛ وهذا فناء يُقارنه البقاء؛ فيَفنى عن تأله ما سوى الله بتأله الله تحقيقًا لقوله: لا إله إلا الله؛ فيَنفي ويُفني من قلبه تألُّه ما سواه؛ ويُثبت ويُبقي في قلبه تألُّه الله وحده» (١).
ومعلوم أن مراتب القدر أربعة هي:(العلم والكتابة والخلق والمشيئة)، ومِن قدر الله ﷿ أن وضع للأمور أسبابًا تقوم بها، فالإنسان لا يمكن أن يكون له ولد بدون زواج، وهكذا لا يمكن أن يكون له رزق إلا بسبب، حتى الطير؛ لا بد لها أن تغدو على رزقها لتحصِّله. فهذه أسباب وضعها الله ﷿، وهكذا حتى في الأعمال الشرعية، فالله تعالى هيَّأ لك العقل، وهيأ فيك من الهمة ما يجب أن تقوم بها، وإن كان مع القيام بهذه الأسباب يجب على الإنسان أن يستعين بالله ﷿، وهذا مقام ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾ [الفاتحة: ٥]، فالعبد يقوم بالطاعة والعمل الصالح؛ لكي ينال رضوان الله ﷾ ومحبته وجَنَّته، ويستعين بالله تعالى على أداء هذا العمل