للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصالح، أمَّا مَنْ يترك أسباب الهداية ويقول: لو شاء الله هدايتي لهداني، ولو شاء أن أقوم للصلاة لقمتُ. فهذا مناف للشرع والعقل، فلا بد للإنسان أن يقوم بأسباب العمل الصالح؛ لأن الله قد ركَّب في الإنسان من المشيئة والإرادة ما هو تَبَع لمشيئته وإرادته جلَّ وعلا، لكن الإنسان يُختبر بهذه الأسباب، فلا يجوز له تعطيلها بأي حال من الأحوال.

وهذا معنى قوله: «نازعت أقدار الحق بالحق»؛ لأن على العبد أن يأخذ بالأسباب الشرعية التي شرعها الله ؛ لكي ينال ما كتبه الله عليه في أمر القَدَر، وقد يناله وقد لا يناله، لكنه مُطالب بأن يأخذ بهذه الأسباب التي أرادها الله .

فإنَّ مِنْ خَلْقِ الله تعالى أن ركَّب للأمور أسبابًا، ومِن خلق الله ﷿ أن جعل للعبد إرادة ومشيئة، وهذه الإرادة والمشيئة لا تخرج عن إرادته ومشيئته ، فعلى هذا أمر الله تعالى العباد واختبرهم وابتلاهم؛ فمنهم مَنْ أطاع- بمعنى: أنه أخذ بأسباب السعادة وقام بهذه الأسباب، وطلبها من الله تعالى؛ فأعانه عليها- ومنهم مَنْ حُرم مِنْ هذا.

والفضل مِنْ قبل ومن بَعد لله الذي هيَّأ للعبد هذه الأسباب من جهة، والذي أعانه على هذه الأمور من جهة، فعلى العبد أن يُوازن بين هذا وهذا، وعلى هذا المفهوم يُفَسَّر قول الشيخ عبد القادر هنا، ولا يفهم من قوله: «فنازعت أقدارَ الحقِّ بالحقِّ للحقِّ، والرجل مَنْ يكون منازعًا للقَدَر»: أنها منازعة لذات الله ، فالله قد أمر العبد وخَلق له إرادة، كما قال: ﴿إنَّا هديناه السبيلا إما شاكرا وإما كفورا﴾ [الإنسان: ٣]؛ فهداه السبيل وركَّب فيه من أسباب الهداية ما

<<  <   >  >>