وإذا تتبعنا أهلَ الباطل- قديمًا وحديثًا- وجدنا أنَّ أصلَ ضلالهم هو بتقديمهم للقياس الفاسد على النصوص الشرعية المنزلة.
والقياس منه ما يكون صحيحًا، وهو أحد الأدلة المعتبرة في الاستدلال عند أهل العلم، ومن القياس كذلك ما يكون فاسدًا، وهو أصلٌ من أصول الضلال؛ فيَضل الإنسان من جهة قياسه، فمثلًا هنا أهل التصوف ظَنُّوا أنَّ وَجْدَهم وذَوْقَهم يُوازي ما يجده أهل الإيمان مِنْ ذَوْقٍ، (وهو ذوق وحلاوة الإيمان)؛ فظنوا أنهم إذا وصلوا إلى أي حلاوة بطريق آخر؛ فإن هذا يُغنيهم عن حلاوة الإيمان الحقِّ؛ فكان في هذا ضلالهم.
وكذلك اتِّبَاعُ الهوى وتقديمُه على اتِّبَاع أَمر الله- أصلٌ من أصول الضَّلال، وهذا حاصلٌ عند سائر أهل الضلال، ولذلك حَذَّر الله ﷿ في كثير من آيات القرآن من اتباع الهوى، وذم الذين اتَّبعوا أهواءهم؛ فبالتالي ضلوا وأضلوا؛ لأنَّهم سلكوا طريق الهوى؛ ومن ذلك قوله تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: ٥٠]، وقوله ﷿: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: ٢٣]
وهنا أعطانا المصنف مثالًا على هذا الضلال بهؤلاء المتصوفة الذين زعموا أنَّ لهم ذوقًا ووجدًا.
وحقيقة الأمر: أنَّ هذا الذوق وذاك الوَجْد إنما يكون بحسب ما يحبُّه العبد ويهواه؛ فَكل محب لَهُ ذوق ووجد بِحَسب محبته وهواه.