للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في نفسه وسواد في قلبه، وغبرة في وجهه.

ولذلك قيل لسفيان بن عيينة: ما بالُ أهل الأهواء لهم محبة شديدة لأهوائهم؟ فقال: أنسيتَ قوله تعالى: ﴿وأُشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم﴾ [البقرة: ٩٣]؛ فيُشرب هذا الأمر، وتَتلبسه النفسُ، وتتغذى به، وتَنشأ عليه، فإذا أُشرب هذا الأمر تجده محبًّا لباطله، وتجده بعد ذلك كما قيل: «حبك الشيء يعمي ويصم» (١).

قال المناوي: «أي: يجعلك أعمى عن عيوب المحبوب، أصم عن سماعها؛ حتى لا تُبصر قبيح فعله ولا تسمع فيه نهي ناصح، بل ترى القبيح منه حسنًا، وتسمع منه الخنا قولًا جميلًا … أو يعمى ويصم عن الآخرة، أو عن طرق الهدى، وفائدته: النهي عن حبِّ ما لا ينبغي الإغراق في حبِّه» (٢).

حتى إنهم يقولون في الأمثال: (لا تقل للعاشق إلَّا زد)، فيشرب الإنسان الباطل، ويتلبس بحبِّ الباطل حتى إنه يعميه عن معرفة الحق؛ فهؤلاء لهم قُلوبٌ لكن لا يفقهون بها، ولهم أَعينٌ لكن لا يُبصِرون بها، ولهم آذانٌ لكن لا يسمعون بها؛ لأنهم اتبعوا أهواءهم، وساروا في باطلهم.

وقد كَشَف أبو الوفاء ابن عقيل هذه الخبيئة في نفوسهم، وهي أنهم يريدون التحلل من التكاليف؛ فقال: «لما صعبت التكاليف على الجُهَّال والطغام، عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاعٍ


(١) أخرجه مرفوعًا أحمد في «المسند» (٥/ ١٩٤)، ثم قال: «وحدثناه أبو اليمان لم يرفعه»، وأبو داود (٥١٣٠)، من حديث أبي الدرداء ?، وأورده السيوطيُّ في «الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة» (ص ١٨٦)، وقال: «الوقف أشبه».
(٢) «فيض القدير» (٣/ ٣٧٢) باختصار.

<<  <   >  >>