ويزعمون أن التوكل والدعاء- ونحو ذلك من الأمور الشرعية المطلوبة- من مقامات العامة. وأمَّا الخاصة عندهم فهم الذين لا يتعلقون بالأسباب؛ ويقولون: لماذا نتوكل؟ ولماذا ندعو؟ وقد قَدَّر الله هذه الأمور، ولا بد أنها كائنة لا محالة.
وهذا بناء على زعمهم أن مَنْ شهد القَدَر عَلِم أن ما قُدِّر سيكون، فيشهد الحقائق الكونية القدرية.
فهم إذًا جبرية في باب القدر، وانحرافهم فيه هو الذي دعاهم لهذه المقولات.
لكن انحرافهم لم يكن من جهة فِعلهم للفرائض المشهورة، وتركهم للمحرمات المشهورة، وإنما كان من جهة ترك التوكل وترك الدعاء وترك هذه الأمور زعمًا منهم أنها تنافي الإيمان بالقدر.
قال المصنف:«وهذا غلط عظيم فإنَّ الله قَدَّر الأشياء بأسبابها، كما قدر السعادة والشقاوة بأسبابهما»؛ فبَيَّن المصنفُ أن هذا الزعم غلط عظيم؛ لمخالفته لنصوص الشرع، ووجه الغلط: أن الله ﷿ قد قَدَّر الأشياء بأسبابها، وأمرنا بالأخذ بهذه الأسباب، «كما قدر السعادة والشقاوة بأسبابهما»، فالسعادة لها أسباب، والشقاوة لها أسباب؛ فإن كان العبد عاملًا بطاعة الله فهو قد طلب السعادة وأخذ بأسبابها، وإن عمل بالمعاصي فقد أخذ بأسباب الشقاوة، والعياذ بالله.
فتجد المؤمن يطلب السعادة بالطاعة؛ فيتقرب إلى الله بأداء الفرائض، ويجتهد في الإكثار من النوافل؛ لذا يزداد كل يوم قربًا من الله، وينتقل من خير إلى خير، ويبتعد عن الشر، وكل ذلك لأنه أخذ بأسباب السعادة.