للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الذي أقبل على المعاصي والذنوب فتجده بعيدًا عن الخير قريبًا من الشر؛ بل منغمسًا فيه؛ لأنه قد أخذ بأسباب الشقاوة.

واستدل المصنف بقوله : «إنَّ اللهَ خَلَقَ للجَنَّة أهلًا؛ خلقها لهم وهم في أَصْلَاب آبائهم، وبعمل أهلِ الجَنَّةِ يَعملون»؛ فأخذوا بأسباب دخول الجنة لأن الله ﷿ قد قال: ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ في ثلاثة مواضع: في سورة السجدة آية (١٧)، وفي سورة الأحقاف آية (١٤)، وفي سورة الواقعة آية (٢٤)، وقال سبحانه: ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٧]، وقال أيضًا : ﴿أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٩]، والباء هنا باء السببية، وليست باء المقابلة؛ لأن باء المقابلة هي باء الثَّمن والعِوض، فالعمل ليس ثمنًا للجنة، وإنما سببٌ لدخولها.

فأخبرهم النبيُّ بأنَّ الله كتب المقادير … إلى أن قال: «اعملوا؛ فكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ له»، فالعمل أصبح سببًا؛ فأمرهم بالأخذ بالأسباب.

فكل ما أمر الله به عباده من الأخذ بالأسباب فهو عبادة، فالواجب على العبد أن يأخذ بالأسباب وألا يتركها أبدًا ما دامت مشروعة، ولكنه مع ذلك لا يركن إليها، وإنما يأخذ بالأسباب متوكلًا على الله تعالى، مستعينًا به ﷿؛ فالتوكل مقرون بالعبادة، والعبادة سبب، لكنها مَقرونة بالتوكل، قال تعالى: ﴿فاعبده﴾ [هود: ١٢٣]: هذا سبب، ﴿وتوكل عليه﴾ [هود: ١٢٣]، وهذا- أيضًا- سبب، فالعبد يأخذ بهذا ويأخذ بهذا، كما قال سبحانه: ﴿قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب﴾ [الرعد: ٣٠].

<<  <   >  >>