للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «ومِمَّا يَنبغي أن يُعلم: ما قاله طائفة من العلماء؛ قالوا: الالتفات إلى الأسباب شِرك في التوحيد. ومحوُ الأسباب أن تكون أسبابًا- نقصٌ في العقل. والإعراضُ عن الأسباب بالكلية قَدْحٌ في الشَّرع. وإنَّما التوكل والرجاء معنى يتألف من موجب التوحيد والعقل والشرع» (١).

ويقول شارح «العقيدة الطحاوية»: «قد ظَنَّ بعضُ الناس أن التوكل ينافي الاكتساب وتعاطي الأسباب، وأن الأمور إذا كانت مُقَدَّرة فلا حاجة إلى الأسباب! وهذا فاسد؛ فإن الاكتساب: منه فرض، ومنه مُستحب، ومنه مباح، ومنه مكروه، ومنه حرام، كما قد عُرف في موضعه. وقد كان النبي أفضل المتوكلين- يَلبس لَأْمَةَ الحرب، ويمشي في الأسواق للاكتساب، حتى قال الكافرون: ﴿مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق﴾ [الفرقان: ٧]. ولهذا تجد كثيرًا ممن يرى الاكتساب ينافي التوكل يُرزقون على يد مَنْ يُعطيهم؛ إمَّا صدقة، وإمَّا هدية … » (٢).

وقال ابنُ القيم: «وفي الأحاديث الصَّحيحة الأمر بالتَّداوي، وأنَّه لا يُنافي التوكل، كما لا يُنافيه دفع داء الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتمُّ حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نَصَبَها الله مقتضيات لمسبباتها قَدَرًا وشرعًا، وأن تعطيلها يَقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة ويُضعفه من حيث يظنُّ مُعطلها أنَّ تركها أقوى في التوكل، فإن تركها عجزًا ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد


(١) «مجموع الفتاوى» (٨/ ١٦٩).
(٢) «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز (ص ٢٧٠)، دار السلام، الطبعة المصرية الأولى، ١٤٢٦ هـ- ٢٠٠٥ م.

<<  <   >  >>