للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النبي قال: «ما مِنْ مُسلم يَدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قَطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إمَّا أن يُعَجِّل له دعوته. وإمَّا أن يَدخرها له في الآخرة. وإمَّا أن يَصرف عنه من السُّوء مِثلها». قالوا: إذن نُكثر! قال: «اللهُ أكثرُ» (١).

فالدَّاعي في كل الأحوال رابح، وعلى خير، وإلى خير.

وأمَّا إذا سأل المخلوقُ مخلوقًا مثله وتذلل له فسيصير عبدًا له، والأصل أن التذلل للمخلوق بالمسألة محرم؛ لأن التذلل والمسكنة والاستعانة لا يَنبغي أن تُصرف إلا إلى الله ، كما قال النبيُّ لابن عباس : «إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله»، وابن عباس غلام في الثالثة عشر من عمره، لكن النبي أراد أن يغرس في قلبه هذه المعاني الجليلة.

فالعبودية الحقَّة لله لا يجوز أن تُصرف لغيره، ومهما يكن من سؤال ففيه نوع مذلة، ولذلك قال المصنف: «وفي النهي عنه أحاديث كثيرة في الصِّحاح والسُّنن والمسانيد، كقوله : «لا تَزال المسألةُ بأحدكم حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مُزعة لحم»، وقوله: «مَنْ سأل الناس وله ما يُغنيه جاءت مَسألته يوم القيامة خُدُوشًا- أو خموشًا أو كُدوحًا- في وجهه»، فهل يَرضى الإنسان أن يَلقى الله يوم القيامة على هذا الحال؛ نسأل الله العافية.

والمسألة لا تَصلح إلا لثلاث؛ لذي فَقر مُدقع، أو لذي غُرم مفظع، أو لذي دَم مُوجع، كما جاء في الحديث.

والفقر المدقع، أصله من الدقعاء، وهو التراب، ومعناه: الفقر


(١) أخرجه أحمد في «المسند» (١١١٤٩)، وصححه الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» (١٦٣٣).

<<  <   >  >>