للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولِهَذَا لم يكن لَهُ من أهل الأَرْض خَلِيل؛ إِذْ الخُلَّة لَا تحْتَمل الشِّركَة؛ فَإِنَّهُ كَمَا قيل فِي المَعْنى:

قد تخللت مَسْلَك الرُّوح مني … وبِذَا سُمِّي الخَلِيل خَلِيلًا (١)

بِخِلَاف أصل الحبِّ؛ فَإِنَّهُ قد قَالَ فِي الحَدِيث الصَّحِيح فِي الحَسَن وأُسَامَة: «اللَّهُمَّ إني أُحِبُّهما؛ فأَحبَّهما وأحبَّ مَنْ يُحبهما» (٢)، وسَأَلَهُ عَمْرو بن العَاصِ: أَيُّ النَّاس أحبُّ إِلَيْك؟ قَالَ: «عَائِشَة». قَالَ: فَمِنْ الرِّجَال؟ قَالَ: «أَبوهَا» (٣). وقَالَ لعَليٍّ ?: «لَأُعْطيَن الرَّايَة غَدًا رجلًا يُحبُّ اللهَ ورَسُولَه، ويُحِبُّهُ الله ورَسُوله» (٤). وأمثال ذَلِك كثير.

وقد أخبر تَعَالَى أَنه ﴿يحبُّ المُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: ٧٦]، و ﴿يُحب المُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٤]، و ﴿يُحب المقسطين﴾ [المائدة: ٤٢]، و ﴿يُحب التوابين ويُحب المتطهرين﴾ [البقرة: ٢٢٢]، و ﴿يُحب الَّذين يُقَاتلُون فِي سَبيله صفا كَأَنَّهُمْ بُنيان مرصوص﴾ [الصف: ٤]، وقَالَ: ﴿فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ ويُحِبُّونَهُ﴾ [المَائِدَة: ٥٤]؛ فقد أخبر بمحبته لِعِبَادِهِ المُؤمنِينَ ومحبة المُؤمنِينَ لَهُ، حَتَّى قَالَ: ﴿والَّذين آمنُوا أَشد حُبًّا لله﴾ [البَقَرَة: ١٦٥].

أمَّا الخلَّة فخاصَّة، وقَول بعض النَّاس: إِنْ مُحَمَّدًا حبيب الله، وإِبْرَاهِيم خَلِيل الله، وظنه أَنْ المحبَّة فَوق الخلَّة؛ قَول ضَعِيف؛ فَإِنْ


(١) البيت لبَشَّار بن بُرد، وهو من البحر التام. انظر: «ديوانه» (ص ٩٧٩).
(٢) الحديث الذي أخرجه البخاري (٣٧٣٥): عن أسامة بن زيد ، حَدَّث عن النبي أنه كان يأخذه والحسن، فيقول: «اللهم أحبَّهما؛ فإني أُحبهما». وأما بلفظ المصنف فأخرجه الترمذي (٣٧٦٩) في حق الحسن والحسين، بلفظ: «اللهم إني أُحِبُّهما فأَحِبَّهما وأَحِبَّ مَنْ يُحبهما»، من حديث أسامة بن زيد ?، وصححه الألباني في «صحيح الترمذي» (٢٩٦٦).
(٣) أخرجه البخاري (٣٦٦٢) ومسلم (٢٣٨٤) من حديث عمرو بن العاص ?.
(٤) أخرجه البخاري (٤٢١٠) ومسلم (٢٤٠٦) من حديث سهل بن سعد ?.

<<  <   >  >>