للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أصلح قلبه صلحت حاله في الدنيا والآخرة، كما قال : «أَلَا وإنَّ في الجسد مضغة؛ إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» (١).

فالمخلص لله يذاق من حلاوة عبوديته له ما يمنعه عن عبوديته لغيره، ومن حلاوة محبته لله ما يمنعه عن محبة غيره؛ إذ ليس عند القلب السليم أحلى ولا ألذ ولا أطيب ولا ألين ولا أنعم من حلاوة الإيمان المتضمن عبوديته لله، ومحبته له، وإخلاص الدين له، وذلك يقتضي انجذاب القلب إلى الله، فيصير القلب منيبًا إلى الله، خائفًا منه، راغبًا راهبًا، كما قال تعالى: ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ [ق: ٣٣].

ومَن لم يكن محبًّا لله مخلصًا عبادته لله صار ذليلًا خاضعًا لغيره، واستولت على قلبه الشياطين، وصار فيه من السوء والفحشاء ما لم يعلمه إلا الله؛ قال المصنف : «فالقلب إن لم يكن حنيفًا مقبلًا على الله معرضًا عما سواه كان مشركًا: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم: ٣٠ - ٣٢].

لذلك لما حقق إبراهيمُ وآلُه العبودية لله جعلهم سبحانه أئمة للحنفاء المخلصين، قَالَ تَعَالَى فِي حقِّ إِبْرَاهِيم: ﴿ووهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق ويَعْقُوب نَافِلَة وكلًّا جعلنَا صالحين * وجعلناهم أَئِمَّة يهْدُونَ بأمرنا وأوحينا إِلَيْهِم فعل الخيرَات وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وكَانُوا لنا


(١) أخرجه البخاري (٥٢) ومسلم (١٥٩٩) من حديث النعمان بن بشير ?.

<<  <   >  >>