للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالعبودية شاملة لجميع البدن؛ ظاهره وباطنه، وكل جارحة من البدن مطالبة بعبودية الله ﷿.

الأمر الثالث: حقيقة العبادة: هي كمال الذُّلِّ مع كمال المحبة لله ﷿، ونهاية الخضوع والانقياد والاستسلام والتواضع والخوف والخشية والإنابة والرجاء والإذعان لله وحده لا شريكَ له في شيءٍ من ذلك البتة، إذ هو المستحقُّ للعبادة وحده دون ما سواه.

قال شيخُ الإسلام ابن تيمية : «والعبادة تجمع كمال المحبة وكمال الذُّلِّ؛ فالعابد محبٌّ خاضع، بخلاف مَنْ يحب مَنْ لا يخضع له، بل يحبه ليتوسل به إلى محبوب آخر، وبخلاف مَنْ يخضع لمن لا يحبه كما يخضع للظالم؛ فإنَّ كلًّا مِنْ هذين ليس عبادة محضة» (١).

وقال ابن القيم : «والعبودية مَدَارها على قاعدتين هما أصلها: حُبٌّ كاملٌ وذُلٌّ تامٌّ، ومنشأ هذين الأصلين … هما مُشاهدة المِنَّة التي تُورث المحبة ومطالعة عيب النَّفس والعمل التي تورث الذل التَّام، وإذا كان العبد قد بَنى سلوكه إلى الله تعالى على هذين الأصلين لم يَظفر عدوه به إلا على غِرَّة وغِيلة، وما أسرع ما يُنعشه الله ﷿ ويجبره ويتداركه برحمته» (٢).

الأمر الرابع: مفهوم العبادة في الإسلام:

من خلال تعريف شيخ الإسلام للعبادة يظهر أن مفهوم العبادة أعم وأشمل من أن تَنحصر في عبادات ظاهرية فقط، وإن كانت جليلة عظيمة، بل مفهوم العبادة شامل لجميع الأقوال والأفعال التي يقوم بها العبد انطلاقًا من محبته ورجائه وخوفه من الله، وبشرط ان


(١) «قاعدة في المحبة» لابن تيمية (ص ٩٨).
(٢) «الوابل الصَّيِّب من الكلم الطيب» لابن القيم (ص ٨).

<<  <   >  >>