للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"فإن فلاح الأمة في صلاح أعمالها، وصلاح أعمالها في صحة علومها، وصحة علومها في أن يكون رجالها أمناء فيما يروون أو يصفون، فمن تحدث في العلم بغير أمانة، فقد مس العلم بقرحة، ووضع في سبيل فلاح الأمة حجر عثرة (١).

لا تخلو الطوائف المنتمية إلى العلوم من أشخاص لا يطلبون العلم ليتحلوا بأسنى فضيلة، أو لينفعوا الناس بما عرفوا من حكمة، وأمثال هؤلاء لا تجد الأمانة في نفوسهم مستقرًا، فلا يتحرجون أن يرووا ما لم يسمعوا، أو يصفوا ما لم يعلموا، وهذا ما كان يدعو جهابدة أهل العلم إلى نقد الرجال، وتمييز من يُسْرِف في القول ممن يصوغه على قدر ما يعلم، حتى أصبح طلاب العلم على بصيرة من قيمة ما يقرؤونه، فلا تخفى عليهم منزلته من القطع بصدقة أو كذبة أو رجحان أحدهما على الآخر، أو احتمالهما على سواء" (٢).

= ونهت الشريعة عن الخيانة في الحديث: (لكلِّ غادر لواء يوم القيامة، يقال: هذه غَدْرَةُ فلان) [١].

إذا تقرر هذا؛ فإن الأمانة تكون في الطلب، وتكون في وقت التحمُّل والحفظ، وتكون في وقت العمل، وتكون في أثناء الدعوة والبلاغ.

(١) قوله: "فمن تحدث في العلم بغير أمانة، فقد مس العلم بقرحة"، القُرْحَة مرض باطني يكون في المعدة، يصيبها فيجعلها لا تتمكن من هضم الطعام، فمن تحدَّث في العلم بغير أمانة فإنه سيشوش على الناس، "ووضع في سبيل فلاح الأمة حجر عثرة".

(٢) قوله: "لا تخلو الطوائف المنتمية إلى العلوم من أشخاص."، أي: طوائف يتعلمون العلم لأهداف غير مقبولة، فهم لا يتعلمون العلم ليتحلوا بالفضائل ويتخلقوا بها، وهم =


[١] أخرجه البخاري (٧١١١)، ومسلم (١٧٣٦)، والترمذي (٢١٩١).

<<  <   >  >>