جنة العالم (لا أدري)، ويهتك حجابه الاستنكاف منها، وقوله: يقال: .... وعليه، فإن كان نصف العلم (لا أدري) فنصف الجهل: (يُقال) و (أظن).
(١) جُنة طالب العلم، هذا هو الأدب الرابع والثلاثون والجنة الوقاية، إذا كان على بدنك حديد يحميك في المعارك يسمونها واقية الرصاص، هذه الجنة مثل واقية الرصاص، ما الذي يقي طالب العلم من الشرور؟ كلمة: لا أدري، فإذا سُئِل عن مسألة وهو لا يعرفها، قال: لا أدري.
ولقد كان الأئمة يحرصون على هذا الورع في الفتوى والعلم، قال قائلهم من أخطأ لا أدري أصيبت مقاتله، يعني: أنه أصيب في المحل الذي يموت منه.
سئل الإمام مالك عن ست وثلاثين مسألة: فقال في ثنتين وثلاثين منها: لا أدري، وأجاب في أربع، قيل للإمام مالك في مسألة فقال: لا أدري قال: أتيت إليك من مصر، وقد سأل أهلها عن هذه المسألة، قال: أخبِرْ من وراءك أن مالكًا لا يدري، هل أنقَصَ ذلك من درجة الإمام مالك؟! هل قلَّل من قيمته وإمامته؟! لا والله، بل زاده إمامة وقيمة، ومن هنا لما سأل جبريل النبي ﷺ عن وقت الساعة قال:(ما المسؤول عنها بأعلم من السائل)، يعني: لا أعلم، فإذا كان النبي ﷺ يسأل المسألة فلا يجيب، ينتظر الوحي فكيف بغيره، وإذا كان من كان كذلك يتوقف في الجواب عن مسائل، فكيف بنا نحن؟! ومن هنا لا يستحيي الواحد منا أن يقول: لا أدري.
ومثله ومثل كلمة (لا أدري): الجُمَل الأخرى التي تماثلها، مثل: هذه المسألة تحتاج إلى بحث ولم أبحثها، تحتاج إلى تقليب نَظَر، إذا استنكف الإنسان من هذه الكلمة بمعنى أنه تركها تكبرًا عليها، وظن أنها من أسباب التنقص، فحينئذ وقع في الجهل، وخُشي عليه أن يكون ممن يقول على الله بلا علم.