ومن تطلع إلى سمعة فوق منزلته فليعلم أن في المرصاد رجالًا يحملون بصائر نافذة، وأقلامًا، ناقدة فيزنون السمعة بالأثر، فتتم تعريتك عن ثلاث معان:
الأول: فقد الثقة من القلوب.
الثاني: ذهاب علمك وانحسار القبول.
الثالث: أن لا تُصَدَّق ولو صدقت (١).
وبالجملة فمن يحترف زخرف القول، فهو أخو الساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى. والله أعلم.
= لقول النبي ﷺ: (يمينك على ما يُصدِّقُك به صاحبك) [١].
النوع الثاني: المعاريض التي يتوصل بها إلى إحقاق حق، أو إصلاح بين اثنين، أو إبطال خصومة، هذه مشروعة، ويؤجر الإنسان عليها إن شاء الله.
النوع الثالث: معاريض للتخلص من إحراج الآخرين بدون أن تؤثر على حقوقهم، فهي جائزة لكنها ليست من طبائع أهل العلم.
بعض الناس يكذب في المسائل العلمية ليكون له مكانة ومنزلة، فيقول: أنا وجدت الكتاب الفلاني، وهو ما قرأه ولا اطلع عليه فهذا كذب! لا يُبَارك له في كلامه.
(١) قوله: "ومن تطلَّع إلى سمعة فوق منزلته"، فإن الله سيعاقبه، وما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع والكذب يورث أمورًا:
أولها: عدم الثقة في الكاذب، إذا كذب أول مرة، فاحتمال أن يكذب مرة ثانية.
ثانيها: ذهاب بركة علمه، بل قد يؤدي إلى زوال العلم بالكلية.
والثالث: عدم قبول الناس وعدم تصديق الناس لكلامه فالساحر يُظهر للناس أمورًا مخالفة للحق والواقع، حينئذ كان فيه شبه من الكاذب، ولذلك قارن المؤلف بينهما.
[١] أخرجه مسلم (١٦٥٣)، وأحمد (٧١١٩)، وأبو داود (٣٢٥٥)، وابن ماجه (٢١٢١).