للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(٣٥) المحافظة على رأس مالك (ساعات عمرك) (١):

الوقت، الوقت للتحصيل، فكن حِلْفَ عمل لا حِلْفَ بطالة وبَطَر، وحِلْسَ معمل لا حِلْسَ تَلَهٍّ وسمر (٢)، فالحفظ على الوقت بالجد والاجتهاد

(١) الله - جل وعلا - خلقنا من أجل غاية؛ وهي عبادته - جل وعلا -، كما في قوله: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] ومن أعلى درجات العبادة: طلب العلم، ومن هنا فاستعمل حياتك فيما خُلقت له، واستعمل جميع وقتك من أجل الهدف والغاية التي خُلِقت من أجلها، ثم إنك سَتَرِدُ على رب العزة والجلال، وسيسألك عن كل أعمالك، وجميع أوقاتك، ماذا عملت فيها؟ [١]، حينئذ استعمل هذا الوقت في العمل الذي يكون سببًا لفلاحك ونجاحك، ومن ثم يترك الإنسان تضييع الأوقات فيما لا يفيد.

كان بعض الأئمة يحرص على استعمال وقته فيما يفيد، ولا يترك منه شيئًا، حتى إن المجد بن تيمية جد شيخ الإسلام كان يُقرأ عليه العلم عند قضائه للحاجة [٢]، لا يريد أن يُفَوِّت وقته، وبعضهم كان إذا جاءه الأضياف يحرص على أن يشتغل ببري القلم عند أضيافه؛ لئلا يضيع شيء من وقته، والشواهد في هذا كثيرة، ومن هنا فاحفظ عمرك.

(٢) قوله: "فكن حلف عمل لا حلف بطالة وبطر"، الحلف هو العقد الذي يعقده الإنسان، فاعقد نفسك مع الأعمال حتى تنتج وتثمر، ولا تكن مع البطالة، وهي ترك العمل، والبطر الذي هو تضييع الوقت وجحد هذه النعمة، وحينئذ كن "حلس معمل"، والحلس هو المرابط، "ولا تكن حلس تلهٍّ وسمر"، فالتلهي ابتعد عنه، والسمر الذي لا يفيدك ابتعد عنه، فالمحافظة على الوقت يكون بالجد والاجتهاد.


[١] أخرجه الترمذي (٢٤١٧).
[٢] ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب ١/ ٢٨٤.

<<  <   >  >>