المداهنة خُلُق منحط، أما المداراة فلا، لكن لا تخلط بينهما، فتحملك المداهنة إلى حَضَار النفاق مُجَاهَرَة، والمداهنة هي التي تمس دينك.
(٤٩) الغرام بالكتب (٢):
شرف العلم معلوم؛ لعموم نفعه، وشدة الحاجة إليه، كحاجة البدن إلى الأنفاس، وظهور النقص بقدر نقصه، وحصول اللذة والسرور بقدر تحصيله، ولهذا اشتد غرام الطلاب بالطلب، والغرام بجَمْعِ الكتب مع الانتقاء، ولهم أخبار في هذا تطول، وفيه مقيدات في خبر الكتاب يسر الله إتمامه وطبعه.
(١) قوله: "المداراة لا المداهنة"، المداهنة ترك بعض الأحكام الشرعية من أجل صاحبك، ومنه قوله تعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم: ٩]، كأن تترك الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر، وأما المداراة فهي المداراة فتكون بعدم عرض للمسألة التي تكون سببًا لإحراج أو مشكلة، وأقوم بتأجيل الكلام فيها، لكن المداهنة أن أوافقك وأنا لا أرى رأيك، ومن أمثلة المداراة: أن أعلم أن فلانًا يعصي الله بالمعصية الفلانية، لكنه لا يعصي الله عندي، فلا أتعرض لهذا خشية من هروبه من الحق وابتعاده عما أقوله من الخير، فأرشده إلى ما يصلح قلبه وإن لم أتعرض لمعصيته، كأن يكون على معصية سماع الأغاني، لكنه لا يسمعها لدي، فأقوم بالحديث معه في الصلاة وأهميتها، وكيف يستحضر قلبه في الصلاة، وهو يصلي؛ لأنه إذا استحضر القلب في الصلاة أثر ذلك على بقية أمره، لكن المداهنة أن أقول له: لا بأس، أو أن أحضر المسجل فأجعله يستمع للأغاني بحضرتي، أو أحضر ذلك المجلس فهذا مداهنة.
(٢) هذه آداب لطالب العلم متعلِّقة بالكتب، منها:
الأول: الحرص على الكتب جمعًا، بحيث يجمع كل ما يمكن أن يستفيد منه من كتب أهل العلم؛ وذلك أن الكتب فيها علم كثير، وفيها ترتيب للمسائل، وتُعِينُ الإنسان على بحث ما يعرض إليه من مسائل الفقه والشرع. =