= ولو كان دليلًا صحيحًا في نظره، فالمجادلة بالتي هي أحسن مطلوبة، وقد قال الله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥]، وقال سبحانه: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [العنكبوت: ٤٦].
من هنا فإن المناقشة محمودة، وهي نوع من أنواع النصح، ونوع من أنواع التعلم، وقد ذكر الله في كتابه عددًا من المناقشات والمناظرات بين الأنبياء وأقوامهم، انظر لمناقشة موسى لفرعون، ومناقشة إبراهيم لقومه، وبعض مناقشات النبي ﷺ لبعض من في زمانه، ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ [آل عمران: ٦٤]، ﴿هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ [آل عمران: ٦٦]، ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَ عْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٤].
وبالتالي فإن المراء مذموم؛ لأن المقصود فيه الغلبة وليس المقصود فيه الوصول إلى الحق، وبالتالي تجد صاحبه يرفع الصوت ليغلب من أمامه، وتجده يُمَوّه في الكلام ليغلب من أمامه، وتجده يحاول أن يوجد تناقضات في كلام مقابله، ولو لم تكن صحيحة من أجل أن يغلبه ويتمكن منه، وبالتالي فالمراء مؤثر على صحة النية غير موصل إلى حق، ومن هنا فإنه ينهى عنه؛ لأنه سبب من أسباب الإثم، فإذا وجدت هذه المناقشات تحوّلت إلى مراء، ومناقشات عقيمة، والمقصود منها الغلبة والانتصار، فحينئذ أعرض عنها، وأوصل الحق فقط ولا تجادل ولا تناقش إذ المقصود إيصال الحق للخلق.